«الجن» آمنوا بعد سماع القرآن من النبي.
بقلم الاعلامي عبدالنبى ابوهيف
هلك أبو طالب ونالت قريش من الرسول صلى الله عليه وسلم ما لم تكن تنال منه في حياة عمه، فخرج إلى الطائف يلتمس النصرة من ثقيف والمنعة بهم من قومه ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله وعمد إلى نفر من سادة ثقيف وأشرافهم في شوال من السنة العاشرة للبعثة، فجلس إليهم ودعاهم إلى الله، وعرض عليهم أن ينصروه، ويمنعوه من قومه، فلم يلتفتوا إليه وعلقوا على دعوته ساخرين، فقام عنهم وأقام بين أهل الطائف عشرة أيام، لا يدع أحداً من أشرافهم إلا جاءه ودعاه، فأغروا به سفهاءهم وعبيدهم، يسبونه ويصيحون به، ويرمونه بالحجارة، فلجأ- صلى الله عليه وسلم- إلى بستان من عنب لعتبة وشيبة ابني ربيعة. وذكر ابن هشام وغيره في السيرة النبوية أن ابني ربيعة أمرا غلاماً لهما نصرانياً اسمه عداس، بأن يأخذ قطفا من العنب، ويذهب به إلى الرجل، فلما وضعه بين يدي الرسول مد يده إليه قائلاً: بسم الله ثم أكل، فقال عداس: إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة، وكان نصرانيا من نينوى بالعراق، قرية النبي يونس. جوف الليل انصرف صلى الله عليه وسلم، راجعاً إلى مكة، وعند واد يسمى «نخلة» قام في جوف الليل يصلي، فأتى سبعة من الجن، استمعوا لقراءته،فلما فرغ من صلاته، أعلنوا إيمانهم وإسلامهم، ثم انصرفوا إلى قومهم دعاة، يحملون الإسلام إليهم، ويوضحون تعاليمه ومزاياه، وفي ذلك يقول الله تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)، «سورة الأحقاف: الآيات 29: 32»، وفي قوله الله تعالى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا)، «سورة الجن – 2»
وكان هذا الفتح في عالم الجن، تمهيداً لفتوحات وانتصارات عظيمة في عالم الإنس، فقد تم لقاء النبي مع وفد الأنصار بعد ذلك بعدة أشهر وشاء الله عز وجل بفضله وحكمته أن تتحقق في هذه الرحلة الدعوية الشاقة بعض الانتصارات والفتوحات، فقد أسلم عداس وبعض الجن.