الدكروري يكتب عن الافتتان بزخارف الدنيا
الدكروري يكتب عن الافتتان بزخارف الدنيا
بقلم/ محمـــد الدكـــروري
إن المظهر اللائق يكسبك احترام النفس واحترام الآخرين لك ويجعلك تشعر بالثقة والاطمئنان فالشخص الذي تشيع الفوضى في هندامه يشعر الآخرين بان الفوضى تشيع في تفكيره كذلك هنالك صفة مهمة وضرورية لتكون شخصيتك قوية وهي أن تتعلم كيف تكسب ثقة الآخرين، وهذا يمكن تحقيقه بسهولة بمجرد أن تكون صادقا، والنبي صلى الله عليه وسلم، يعرض من خلال القصة التي وقعت فى بنى إسرائيل، جانبا من جوانب الفساد الاجتماعي والافتتان بزخارف الدنيا، والذي أودى بالمجتمع الإسرائيلي مهاوي الردى، وكان سببا في تسلط أعدائهم عليهم، وقد ظهرت بوادر الفساد الاجتماعي في تلك الأمة بقوة من خلال المبالغة في الاهتمام بالمظاهر.
فكان الإنفاق على الملابس والحلي وأنواع الزينة ومراسم الحفلات على أشده، ولم يكن التسابق المحموم على تلك الأمور محصورا بالطبقة الغنية القادرة، بل اكتوى بنارها الفقراء والمعدمين، سعيا لمجاراة الواقع الموجود، ومع مطالب النساء وما جره من النفقات الباهظة، كانت النتيجة الحتمية الغرق في دوامة لا تنتهي من الديون والقروض الربوية، وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” إن أول ما هلك بنو إسرائيل أن امرأة الفقير كانت تكلفه من الثياب أو الصيغ ما تكلف امرأة الغنى، فذكر امرأة من بني اسرائيل كانت قصيرة، واتخذت رجلين من خشب، وخاتما له غلق وطبق، وحشته مسكا، وخرجت بين امرأتين طويلتين أو جسيمتين، فبعثوا إنسانا يتبعهم.
فعرف الطويلتين، ولم يعرف صاحبة الرجلين من خشب” رواه ابن خزيمة، وأما الصورة الأخص التي ذكرها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فهي حال امرأة من بني إسرائيل، تملكها الشعور بالحسرة على قصر قامتها، ورأت في نفسها أنها أقل حظاً في نيل إعجاب الرجال ولفت أنظارهم، وكان الرجال من بني إسرائيل يرون الجمال في طول المرأة، وبدلا من الرضى بقضاء الله وقدره، ظلت تفكر زمانا طويلا للبحث عن أفضل الطرق لجذب أنظار الناس إليها، حتى اهتدى عقلها إلى حيلة تزيل ما تظنه عيبا فيها، فقد صنعت لها نعلين من الخشب تلبسهما تحت الثياب فيزيد من قامتها، ويظهرها أمام الناس طويلة، وأمام الحيلة التي ابتكرتها، تغير منظرها الخارجي، فلم يتعرف عليها الرجال.
وظنوا أنها امرأة غريبة عن الديار، بل أرسلوا أحدهم ليعلم عن هذا الوافد الجديد بالنسبة إليهم ويتقصى حقيقتها فلم يفلح، وبذكائها أيضا، اتخذت خاتما من ذهب صنعته خصيصا عند أحد الصاغة، وأمرته أن يجعل فيه تجويفا له غطاء لتملأه مسكا قوي الرائحة، ثم كانت تذهب إلى مجامع الناس، وتحرك يدها ذات اليمين وذات الشمال، فيفوح شذى العطر في أرجاء المكان ليسلب بعبقه ألباب الرجال وينال استحسانهم لها، والنبي صلى الله عليه وسلم إذ يعرض هذه القصة، يريد من المجتمع الإسلامي أن يحذر من تلك الآفات ويرفع من تطلعاته وطموحاته، ويوجه تركيزه نحو إصلاح الباطن وتحسين الأخلاق، وما قيمة المرء إلا بنبل صفاته، وجميل أفعاله، وبياض صفحته.
كما جاء تقرير ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم “إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم” رواه مسلم، ونلمح أيضا في ثنايا القصة، هو تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من فتنة النساء، وتفننهن في طرق الغواية والإضلال، في ظل انتكاسة أخلاقية تنبيء بذوبان العفة وقلة المروءة، وذهاب الغيرة من قلوب الرجال، وما يؤديه من الفساد العظيم، والشر المستطير، وكان الإشفاق من خطر هذه الفتنة هو ما أشغل بال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يحذر أمته من فتنة النساء، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال “اتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء” رواه أحمد.