المقالات

الدكروري يكتب عن التمسك بالحق والاعتراف بالخطأ

الدكروري يكتب عن التمسك بالحق والاعتراف بالخطأ

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ما أحوجنا إلى الاعتبار والتفكر والتدبر، فإن ذلك مما يقوّي الإيمان، ويوسّع المدارك، ويجلب محبة الله عز وجل، والخوف منه، والرجاء في عفوه ورحمته، فإن الإعتبار هو حقيقة أكدها الإسلام، وحث على التمسك بها، وحذر تعطيل الإنسان للحواس التي يستقي من خلالها العقل معرفته ورؤيته، وتدرج بالعقل في عملياته من التفكر والتأمل والتدبر والاعتبار للوصول إلى الحقيقة والغاية من الحياة، والإجابة على سؤال المصير. وقد طالب القرآن الكريم أتباعه بأن ينتقلوا من الحالة العقلية التي يخلقها التفكر والتأمل إلى الحالة الإيجابية ألا وهي الاعتبار، تلك العملية التي تنقلهم من حال إلى آخر، فالاعتبار فعل إيجابي مبني على رؤية عميقة جمعت بين التأمل في تجارب الآخرين وبين الرغبة في الاستفادة منها.

 

وأخذها في الحسبان عند الشروع في حركة وفعل جديد يتلافى ما وقع فيه الآخرون من أخطاء وسوء تصرف، ولقد كان السلف الصالح نموذجا يحتذى به في التمسك بالحق مع الاعتراف بالخطأ فها هو الصحابي الجليل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يتراجع عن رأيه الذي ظهر له فيه خطأ، بعد أن نبهته امرأة لذلك، حين عزم على تحديد مهور النساء وعدم المغالاة فيه، فقد ورد في سنن البيهقي وغيره عن الشعبي قال ” خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس فحمد الله تعالى وأثنى عليه، وقال ألا لا تغالوا في صداق النساء، فإنه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه رسول الله صلى الله عليه و سلم أو سيق إليه، إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال ثم نزل فعرضت له امرأة من قريش.

 

فقالت يا أمير المؤمنين أكتاب الله تعالى أحق أن يتبع أو قولك؟ قال بل كتاب الله تعالى فما ذاك؟ قالت نهيت الناس آنفا أن يغالوا في صداق النساء والله تعالى يقول في كتابه ” وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا” فقال عمر رضي الله عنه كل أحد أفقه من عمر مرتين أو ثلاثا، ثم رجع إلى المنبر فقال للناس إني كنت نهيتكم أن تغالوا في صداق النساء، ألا فليفعل رجل في ماله ما بدا له” سنن البيهقي، ولقد كان الحق مرادهم وغايتهم، والوصول إلى الصواب سعيهم وطلبهم، فإذا ما ظهر هذا الحق، اتبعوه وانقادوا إليه، بكل يسر وسهولة، وتركوا ما كانوا عليه من الاجتهاد الذي بدا لهم عدم صوابه، فلم يتعصبوا لرأي، ولم يتحجروا لمذهب أو اجتهاد، ما دام القرآن والسنة الحكم والفيصل بينهم.

 

وإن الاعتذار شاق على كثير من الناس، وقليل من يستسيغه ويتحمله وخاصة بين من يعتدون بأنفسهم، ممن نشؤوا منذ نعومة أظفارهم على الأثرة والترفع، فيصعب عليهم جدا أن تخرج كلمة الاعتذار من أفواههم أو أن يقبلوا اعتذار ممن يعتذر، ربما يسهل على المرأة النطق بجمل الاعتذار، بل أحيانا ما تكون جمل الاعتذار من مفردات حديثها الطبيعي، ولكن الصعوبة الحقيقية في اعتذار الرجل وخصوصا في عالمنا العربي، إذ يعتبر معظمهم لعوامل تربوية متجذرة في الأعماق أن الاعتذار في حد ذاته جالب للمهانة ومنقص للكرامة، فكم من بيوت خربت، وكم من قضايا رفعت وأضاعت الوقت والجهد والمال، وكم من عداوات دامت طويلا وأثرت على أجيال متعاقبة وتسببت في قطيعة أرحام طويلة ممتدة.

 

وكم من دماء أهريقت بين الرجال أو الأسر، وكان يكفي لوأدها في مهدها كلمة واحدة فقط وهي كلمة الأسف أو الاعتذار، والتي لو قيلت بعد مرور وقت لن تجدي نفعا ولن يكون لها أية قيمة ولا أثر، فلم تتكبر عنها النفوس التي تعلم أن العودة للحق خير من التمادي في الباطل؟

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار