المقالات
الدكروري يكتب عن الخليفة وليد البيطار
الدكروري يكتب عن الخليفة وليد البيطار
بقلم/ محمـــد الدكـــروري
ذكرت المصادر التاريخية الإسلامية الكثير عن الخليفة الأموي الوليد بن يزيد، وكانت له ألقاب عدة فقد لقب بالبيطار، ولقب بخليع بني مروان والفاتك، وقد بويع له بالخلافة وهو بدمشق بعد وفاة عمه هشام، وقد اختلفت الأقوال فيه، وتضاربت فمن قائل يقول عنه مثل العصامي كان أكمل بني أمية أدبا وفصاحة، وأعرفهم باللغة والحديث، وكان جوادا مفضالا، ثم يناقض العصامي نفسه قائلا ولم يكن في بني أمية أكثر منه إدمانا للشُرب والسماع، ولا أشد مجونا وتهتكا منه واستخفافا بالدين وأمر الأمة، وبينما يقول عنه السيوطي كان فاسقا شريبا للخمر، منتهكا حرمات الله، والقارئ يصاب بالحيرة جراء هذا التناقض، فبعض المصادر بالغت في وصف سلوكه السيئ، في حين نفت بعض المصادر الأخرى ذلك عنه.
ووصفته بالخليفة المجمع عليه، ويبدو أن الوليد بن يزيد قد نشأ نشأة فيها بعض العبث، فاستغل عمه هشام ذلك لأغراض سياسية، فشهر به وسهل له سبل اللهو والمجون، وكان آملا فى أن ينساق في هذا المسلك، وينشغل عن المطالبة بالخلافة، أو إيغار صدور الناس عليه بتكوين رأي عام معارض، أو أن يجره هذا الانسياق في سلوكيات مذمومة تبرر خلعه من ولاية العهد، وهنا يعهد هشام لابنه بالخلافة من بعده، ويُلاحظ أن الحملة التشهيرية ضده بدأت في أثناء خلافة عمه هشام بن عبد الملك في الوقت الذي كان هو وليا للعهد، ورفض طلب عمه أن يتنازل عن ولاية العهد لصالح ابنه مسلمة، ونتيجة للضغط الذي تعرض له، خرج الوليد من دمشق، ونزل قصر الأزرق في الصحراء.
ولم يزل مقيما فيه حتى توفي هشام، فجاءه الكتاب بموته وبيعة الناس له، فكان أول ما فعل أن كتب إلى العباس بن عبد الملك بن مروان أن يأتي الرصافة فيحمي ما فيها من أموال هشام وولده وعياله وحشمه، إلا مسلمة بن هشام، فقدم العباس الرصافة ففعل ما كتب به الوليد، وقد استهل الوليد خلافته بالاهتمام بأحوال رعيته اهتماما شاملا، إذ شرع في إعداد الخطط وقد اجتهد في تنفيذها لتحسين أوضاع المواطنين المعيشية تحسينا ملحوظا، وذلك كسبا لودهم وإظهارا لفضله على هشام بن عبد الملك، ولبلوغ هذه الأهداف اتخذ الوليد ثلاثة قرارات، وهي رفع مستوى الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين في العاصمة، فواسى البؤساء والضعفاء والعجزة والقاعدين والمكفوفين من أهل الشام.
ووزع المعونات والهدايا على أطفالهم، وزيادة رواتب المواطنين المسجلين في ديوان العطاء، فرفع رواتب أهل الأمصار جميعا عشرة دراهم، ومنح أهل الشام عشرة دراهم أخرى، وضاعف الأعطيات والهبات لأقربائه، الذين قدموا عليه وأعلنوا مساندتهم له، وأكرم كل من قصدوه وسألوه، وتألف أهل المدينة ومكة واسترضاهم فأعاد إليهم أرزاقهم وحقوقهم المالية، وأنفق الوليد في هذه الوجوه والسبل الإصلاحية ما حاز من ثروة هشام، وما وجد في خزائن الدولة من أموال حتى أفلس في ضائقة خانقة، ووضع الوليد القرارين السابقين من خطته الإصلاحية في قصيدة عينية طويلة له وقد ضاع أكثرها وسلم أقلها، فقالها على المنبر بدمشق لما بويع بالخلافة.
ثم أمر بكتابة نسخ منها لتوزع على الأمصار المختلفة، وأرسل نسخة منها إلى المدينة، وذلك يحيي فيها أهل الأمصار ويعدهم بخير عميم، ويلتزم برواتبهم في موعدها المحدد الثابت كل سنة دون تأخير أو مماطلة، ويتعهد بزيادة رواتبهم زيادة مجزية، ويمنيهم بحياة رغيدة إن عاش وامتدت خلافته.