الدكروري يكتب عن السلام آداب وأحكام
بقلم/ محمـــد الدكـــروري
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله محمد بن عبد الله صلي الله عليه وسلم، الذي كان صلي الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقا، فجاءته عجوز تقول يا رسول الله، ادعو الله أن يدخلني الجنة، فقال ” يا أم فلان، إن الجنة لا يدخلها عجوز، فولت المرأة تبكي” فقال عليه الصلاة والسلام ” أخبروها ألا تدخلها وهي عجوز، إن الله تعالى يقول ” إنا أنشأناهن إنشاء، فجعلناهن أبكارا، عربا أترابا” أما عن سعة صدره وعظيم حلمه، صلي الله عليه وسلم فقد كان على غير ما يكون الإنسان العادي، فإن الإنسان بطبيعته ربما رُكب فيه من غرائز ودوافع، إذا ما ارتكب ضده عمل ضار به، أو سمع قولا يغضبه، فإنه سرعان ما تثور عواطفه، وتتوتر نفسه، فيندفع بالتعجيل بالانتقام.
وما كان رسول الله محمد صلي الله عليه وسلم على هذا النمط قط، فكان منهجه في حلمه وسعة صدره ما رسمه له ربه بقوله تعالي ” خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين” وفي تأويل هذه الآية يقول له جبريل عليه السلام يا محمد، إن الله يأمرك أن تصل مَن قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك” ولقد طبق الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم هذا المنهج كأحسن ما يكون التطبيق، فيروي أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان يسير مع النبي عليه الصلاة والسلام وعليه بُرد غليظ الحاشية، إذ بأعرابي يُسيء إليه فعلا وقولا، أما فعلا، فقد جذبه من ردائه جذبة شديدة حتى أثرت حاشية البُرد في صفحة عنق النبي صلى الله عليه وسلم وأما قولا فهو يقول له يا محمد.
احمل لي على بعيري هذين من مال الله الذي عندك فإنك لا تعطيني من مالك ولا من مال أبيك، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم قليلا، ثم قال ” المال مال الله، وأنا عبده ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي” فقال الرجل لا، لا يقاد مني، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ولِما؟ ” قال لأنك لا تكافئ بالسيئة السيئة، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بأن يحمل له على بعير تمر، وعلى الآخر شعير” أما بعد فإن في إلقاء السلام وهو تحية الإسلام قال ابن حجر وإذا حمل القائم على المستقر كان أعم من أن يكون جالسا أو واقفا أو متكئا أو مضطجعا، وإذا أضيفت هذه الصورة إلى الراكب تعددت الصور، وتبقى صورة لم تقع منصوصة، وقد اجتمعا في حديث فضالة بن عبيد بلفظ “يسلم الفارس على الماشي، والماشي على القائم”.
وقال ابن حجر وإذا حمل القائم على المستقر، كان أعم من أن يكون جالسا أو واقفا أو متكئا أو مضطجعا، وإذا أضيفت هذه الصورة إلى الراكب تعددت الصور، وتبقى صورة لم تقع منصوصة، وهي ما إذا تلاقى ماران راكبان أو ماشيان، وقد تكلم عليها المازري فقال يبدأ الأدنى منهما الأعلى قدرا في الدين إجلالا لفضله لأن فضيلة الدين مرغب فيها في الشرع، وعلى هذا لو التقى راكبان ومركوب أحدهما أعلى في الحس من مركوب الآخر كالجمل والفرس، فيبدأ راكب الفرس، أو يكتفي بالنظر إلى أعلاهما قدرا في الدين، فيبتدؤه الذي دونه، هذا الثاني أظهر، كما لا نظر إلى من يكون أعلاهما قدرا من جهة الدنيا إلا أن يكون سلطانا يخشى منه، وإذا تساوى المتلاقيان من كل جهة، فكل منهما مأمور بالابتداء، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.
والأدلة على هذا كثيرة، منها عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”الماشيان إذا اجتمعا فأيهما بدأ بالسلام فهو أفضل” رواه البخارى، وعن الأغر المزني قال لي أبو بكررضي الله عنه “لا يسبقك أحد إلى السلام” وعن أبي أمامة رضي الله عنه “إن أولى الناس بالله من بدأ بالسلام” وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قلنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنا نلتقي فأينا يبدأ بالسلام؟ قال “أطوعكم لله” وإذا كان هناك ماشيان ثم حال بينهما حائل، كشجرة أو جدار ونحو ذلك، فإنه يشرع لهما السلام إذا التقيا مرة أخرى، ولو تكرر ذلك مرات وذلك لما رواه أو هريرة رضي الله عنه قال “إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه”
وفيه حث على إفشاء السلام، وأن يكرر عند كل تغيير حال ولكل جاء وغاد، وقوله “والقليل على الكثير” قال النووي هذا الأدب إنما هو فيما إذا تلاقى اثنان في طريق، أما إذا ورد على قعود أو قاعد فإن الوارد يبدأ بالسلام بكل حال سواء كان صغيرا أو كبيرا قليلا أو كثيرا.