الدكروري يكتب عن الغافل في الدنيا
الدكروري يكتب عن الغافل في الدنيا
بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد دعانا الله سبحانه وتعالى إلى التفكر في مخلوقات الله عز وجل، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال مر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم يتفكرون في الله، فقال “تفكروا في الخلقِ ولا تَفكروا في الخالق فإنكم لا تَقدرون قَدره” وهذه هي وسيلة من الوسائل التي عالَج بها الإسلام الغفلة عن طريق التفكر الدائم في هذا الكون من حولنا، والمخلوقات التي خلَقها الله تعالي ومن بينها الإنسان الذي خلقه ربه في أحسن تقويم، وإن العبد إذا كان في قبره يسأل عن ربه عز وجل، وعن نبيه صلى الله عليه وسلم وعن دينه، فإن كان ممن درسوا العلم الواجب وتعرفوا على ربهم عز وجل وعلى دينهم، وعلى رسولهم صلى الله عليه وسلم في الدنيا.
فإنهم يشهدون أن لا إله إلا الله، ويثبتون الرسالة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول الملكان كيف عرفت ذلك؟ فيقول قرأت كتاب الله عز وجل فآمنت به وصدقت، وأما الذين لم يعرفوا ربهم عز وجل، ولم يعرفوا رسوله صلى الله عليه وسلم، تعرفوا على كل شيء إلا دين الله عز وجل، والجهل داء عظيم وشر مستطير، وبالجهل يهبط الإنسان عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، فيرتكب من التصرفات ما هو فوق طاقته وما من صفة تزري بالإنسان وتجعله يلغي عقله كصفة الجهل، فالجهل أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به ولأن الجاهلين يقفون في كل طريق ليس فيه علم رجما بالغيب.
فتنتشر في المجتمع سلوكيات الجهلاء وأساليبهم، ولذا جاء الأنبياء يكافحون الجهل، ويطاردونه في المجتمعات، ويحررون الإنسان من قيوده التي تزري به، وتنزيها للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أمره الله تعالى أن يعرض عن كل جاهل، وأن لا يوليه اهتمامه، فقال تعالى ” وأعرض عن الجاهلين” وذلك لأن الجاهل يستهلك وقته وجهده وسعيه ثم لا يستفيد منه في شيء، وإن مما أوقع الكثير من الناس في المعاصي والفتن والمصائب والمحن كان بسبب الجهل الذي هو أكبر عدو للعبد، وصدق من قال “يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعل العدو بعدوه” فهو ينطلق في تصرفه حسبما يملي عليه هواه، وإن الجهل داء خطير.
ومرض عضال، إذا أصاب الشخص كان صاحبه على خطر عظيم، وعلى شفير هاوية، وإن لم يتدارك نفسه وعقله بالعلم والتوجيه كان صاحبه خطرا على نفسه ومجتمعه، فالجاهل طريقه مظلم، ومستقبله غامض، ولا يرجى من ورائه أمل والجاهل قد يكون يقرأ ويكتب ويفهم الخطاب، وربما يحسن اللغات، لكنه جاهل، تصرفاته وتحركاته وسلوكه وطريقة كلامه طريقة إنسان جاهل، وإن لبس لباس الكبار، ولهذا جاء ديننا بكل ما يفتح العقل، ويحمل صاحبه على الخلق العالي، والمبادئ العظام، وحسن التصرف، وطيب السلوك، ورجاحة العقل، والجاهل موازينه مقلوبة، ومقاييسه غير منطقية، تقوده لكل شر.
ولذا يقول الحكماء الجهل أبو الشرور، والجهالة أمها، وإذا بحثنا عن مصدر الشر وفاعله نجد أن الجهل هو المصدر، فيجب على المرء ألا يخجل من الاعتراف بجهله، ويسعى لإنقاذ نفسه من ذلك الجهل، وخاصة إذا كان المرء يجهل عيوبه، حيث يصبح لزاما عليه أن يعرف تلك العيوب ويتخلص منها حتى لا ينشرها بين الناس، فمن تربى على الجهل كبر عليه، وعبر عنه بسلوكه وتصرفه وخلقه، ومن المؤكد إذا عرف الجاهل أسباب جهله يستطيع أن يتخلص من ذلك الجهل، ويصبح حكيما ينتفع منه المجتمع، وينال من خيره، متقيا لله تعالى في قوله وفعله وتصرفه وسلوكه.