الدكروري يكتب عن الملك الأشرف موسى يعزل مفتي الشام
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ذكرت المصادر الإسلامية التاريخية الكثير والكثير عن الإمام العز إبن عبد السلام وهو أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن حسن السلمي الشافعي، وقيل أنه كان الظاهر بيبرس يعظم الشيخ العز ويحترمه، ويعرف مقداره، ويقف عند أقواله وفتاويه، وقال السيوطي عن الظاهر بيبرس وكان بمصر منقمعا تحت كلمة الشيخ عز الدين بن عبد السلام، لا يستطيع أن يخرج عن أمره، حتى إنه قال لما مات الشيخ ما استقر ملكي إلا الآن، وأما عن مناصب العز بن عبد السلام وأعماله، فهي الإفتاء، ولم يكن للإفتاء منصب رسمي ووظيفة مرسومة في الدولة الإسلامية، وأول ما ظهر ذلك بصفة رسمية وحكومية في الدولة العثمانية، وكان العلماء يقومون بهذا المنصب من تلقاء أنفسهم.
فهم يعتقدون أن كل من حصّل علما وبلغ مرحلة التعرف الصحيح للأحكام وجب عليه أن يبين الشرع والدين للناس، وقام العز بن عبد السلام بالإفتاء في الشام، وكان يدعى مفتي الشام، واستمر بالإفتاء حتى عزله الملك الأشرف موسى بسبب الفتنة حول تفسير كلام الله تعالى، فظهر موقف العز من الإفتاء والفتوى قائلا أما الفتيا فإني كنت مُتبرّما بها وأكرهها، وأعتقد أن المفتي على شفير جهنم، ولولا أني أعتقد أن الله أوجبها علي لتعينها علي في هذا الزمان، لما كنت تلوثت بها، والآن فقد عذرني الحق وسقط عني الوجوب وتخلصت ذمتي، ولله الحمد والمنة، وبقي العز على تلك الحالة ثلاثة أيام حتى تدخل شيخ الحنفية جمال الدين الحصيري وأنكر على السلطان عمله، فتراجع السلطان نهائيا عن موقفه ومعتقده.
وعاد العز إلى الإفتاء ولكنه رفض صلة الملك وأمواله وتجاوزت شهرته بلاد الشام، وأرسلت إليه الفتاوى من مختلف البلاد، فقال ابن كثير وقصد بالفتاوى من الآفاق، حتى قصده أهل الموصل من العراق بالاستفتاء في مجموعة أسئلة، فأجاب عنها وجُمعت في مؤلفاته باسم الفتاوى الموصلية، ولما توجه العز إلى مصر، كانت سمعته في العلم والإفتاء قد سبقته، فلما حل في الديار المصرية سنة ستمائة وتسع وثلاثين من الهجرة، اعترف له علماؤها ومفتوها بالفضل، وامتنعوا عن الفتوى بوجوده، وقال الحافظ المنذري الفقيه الشافعي المفتي، كنا نفتي قبل حضور الشيخ عز الدين، فأما بعد حضوره فمنصب الفتيا متعين فيه، وكان العز قد تجاوز الستين من عمره، ولكن لم تخر قواه، ولم يؤثر عليه كبر السن.
فأصدر في مصر الفتاوى الجسيمة التي تتعلق بالأمراء وبيع الملوك، وفتوى هدم الطبلخانة، وغير ذلك من الفتاوى، وبقي العز يفتي في مصر حتى توفي، وكان العز جريئا في الفتاوى، فمثلا، عندما كان الملك الكامل سلطان مصر في دمشق، واجتمع بالعز بعد وفاة الملك الأشرف موسى وتعيين الملك الصالح إسماعيل، سأل الكامل العز عما يصدر من أخيه الملك إسماعيل بحضوره من هواية رمي البندق، وهل يجوز ذلك؟ فلم يتهيب العز من بيان الحق والحكم الشرعي، فقال بل يحرم عليه، فإن رسول الله صلي الله عليه وسلم نهى عنه وقال إنه “يفقأ العين، ويكسر العظم”
الدكروري يكتب عن الملك الأشرف موسى يعزل مفتي الشام