الدكروري يكتب عن خروج الشيء عن الاعتدال
الدكروري يكتب عن خروج الشيء عن الاعتدال
بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد كثر في زماننا الحاضر عدم المبالاة لكثير من المسلمين من أين يكتسب المال، أهو حلال أم حرام، فلا يدققون ولا يتحققون ولا يتورعون، ولعمري فإن هذا من الطامات الكبرى، فقد كثرت الويلات والمصائب بسبب الكسب الحرام، و لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم ” ليأتين على الناسِ زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال من حلال أو من حرام” لهذا نجد بعضهم حينما يأتيه المال الحرام يفرح فرحا كبيرا وربما يحمد الله عليه ويثني عليه الخير كله، ونسي أن الله سبحانه طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الفساد معناه كما ذكر أهل اللغة هو مصدر فسد يُفسد فسادا، وهو ضد الإصلاح، قال الليث أن الفساد نقيض الإصلاح، وقال الراغب، أن الفساد خروج الشيء عن الاعتدال.
سواء أكان الخروج عليه قليلا أم كثيرا، وكل اعتداء على الدين، أو العقل، أو المال، أو العرض، أو النفس فهو إفساد، وأما الإفساد في الاصطلاح، فقد ذكر أهل العلم أنه إخراج الشيء عن حالة محمودة لا لغرض صحيح، والفساد ظاهرة عامه، وهو نوع من العلاقة يتم فيها انتهاك القيم والمثل والمعايير والقوانين، وللفساد درجات مختلفة، منه البسيط ومنه الواسع المعقد، والفساد قد ينال كل مظاهر الحياة وكل جوانبها من دون استثناء، وقد يمارس الناس الفساد دون أن يعترفوا بذلك، بل قد يدعون أنهم مصلحون كما في قوله تعالى فى سورة البقرة ” وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ” وإن الله عز وجل، قد أمر بالإصلاح، وأرسل أنبياءه ورسله الكرام بذلك فقال قائلهم.
كما جاء فى سورة هود فى قول الحق سبحانه وتعالى” إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت” وقد نهى المولى سبحانه وتعالى عن الفساد والإفساد في الأرض، وقال تعالى فى سورة الشعراء “ولا تعثوا فى الأرض مفسدين ” وأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يحب الفساد، ولا يمكن أن يجتمع الصلاح والفساد معا إلا أن يتدافعا ليظهر الصلاح من الفساد، فقال عز وجل فى سورة ص ” أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين فى الأرض أم نجعل المتقين كالفجار ” فسبيل المصلحين معروف، وسبيل المفسدين معروف، والإصلاح ضد الفساد، والفطر والعقول السليمة تميز ذلك، ولا يمكن أن يلبس على الناس في الإصلاح والإفساد أحد، ولا يروج ذلك إلا على الأغبياء.
ولا عجب أن كان الإفساد في الأرض بعد إصلاحها أعظم الإفساد وأقبحه، والله تعالى قد بين أن أعظم إفساد في الأرض هو الشرك، فقال العلامة ابن القيم رحمه الله في تعليقه على قوله تعالى فى سورة الأعراف ” ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها ” إن عبادة غير الله والدعوة إلى غيره والشرك به هو أعظم فساد في الأرض، بل فساد الأرض في الحقيقة، إنما هو بالشرك به ومخالفة أمره، وبالجملة فالشرك والدعوة إلى غير الله تعالى وإقامة معبود غيره ومطاع متبع غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو أعظم الفساد في الأرض، ولا صلاح لها ولا لأهلها إلا بأن يكون الله وحده هو المعبود، وأن تكون الدعوة له لا لغيره، والطاعة والاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم، ليس إلا.
والله سبحانه أصلح الأرض بالرسل وبالدين وبالأمر بالتوحيد، وكان أبو البشرية موحدا، ونهى سبحانه وتعالى عن إفساد الأرض بالشرك وبمخالفة الرسل، ومن تدبر أحوال العالم وجد كل صلاح في الأرض سببه التوحيد، وكل شر في العالم وفتنة وبلاء سببه مخالفة الرسل والدعوة إلى غير الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن تدبر هذا حق التدبر وتأمل أحوال العالم منذ قام إلى الآن وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، وجد هذا الأمر كذلك في خاصة نفسه، وفي حق غيره عموما وخصوصا.