الدكروري يكتب عن هواجس القروض ومخاطرها
الدكروري يكتب عن هواجس القروض ومخاطرها
بقلم / محمــــد الدكــــروري
إن من سعادة العيش وطيب الحياة هو أن يسلم المرء من هواجس القروض ومخاطرها، وتنام عينه بعد ذلك ملء جفونها بلا دين مقلق ولا غرم منتَظر وليس عيبا أن يستدين المرء ويقترض إذا ألجأته الظروف أو نزلت به حاجة فرسول الهدى صلي الله عليه وسلم استدان من حاجة وقضى دينه، واشترى طعاما من يهودي إلى أجل، ورهن درعا من حديد عند اليهودي، واعلموا أن شغل الذمة بالاستدانة والسلف من الناس ليس بالأمر الهين، لأن من مات وذمته مشغولة بدين لأحد فهو على خطر شديد، لاسيما إذا تساهل ولم يحرص على السداد، فإن الدين لعظم شأنه لا يكفره الجهاد ولا الشهادة في سبيل الله وإن الدائن والمقرض محسن للمدين، وصاحب فضل وجميل وإحسان، وجزاؤه أن يعامل بالإحسان.
لا المماطلة والصدود والتهرب والإتعاب والإهانة عند طلبه سداد دينه، وإن حقوق العباد مالية كانت أو غير مالية لمن أغلظ الحقوق التي يحاسب ويعاقب عنها المسلم ذكرا كان أو أنثى، وإن من مات وفي ذمته مظلمة وحق لأحد اقتص منه يوم القيامة عن طريق حسناته وسيئات خصومه، ومن مات وليس في ذمته دين وحق لأحد فقد أحرز لنفسه خيرا عظيما وكبيرا، وإن هذا الدين العظيم جاء بالحث على التكافل بين أفراده، والحض على التعاون بينهم، ومن صور هذا التكافل والتعاون هو مشروعية القرض فأباح للمحتاج أن يستدين عند حاجته، وجعل الإسلام إقراض الآخرين قربة يتقرب بها العبد لربه تعالى وان هذا الدين وإن كان في أصله مباحا إلا أنه قد حف بمخاطر مفزعة.
ينبغي ألا تغيب عن كل من طلب الدين وابتغى القرض، ومن استدان منكم واقترض وتسلف فليكن لحاجة أو ضرورة، أو نفع، وليس لأجل تَبسط وزيادة تَنعم وترف، وتَوسع في الكماليات، وسفريات نزهة قل أن تخلو عن محرمات قولية أو فعلية أو بصرية، ولتكن الاستدانة بقدر معقول يتناسب مع دخله المالي، أو أجرة وظيفته، وحاجياته المهمة، حتى لا يثقل ذمته بديون يعجز عن سدادها، أو يتسبب في التضييق على معيشة من أحسن إليه فأقرضه، وكذلك يتفاوت الناس بحسب حاجتهم، فمنهم من يستدين للكماليات ومنهم يستدين للضروريات، ولذلك يتفاوتون في الذم في الشرع من جهة حاجتهم الحقيقة للاستدانة، وإن العجب أن بعض المديونين للأسف قد استدان لغير حاجة ماسة، وتحمل الديون العظيمة.
وذلك بسبب الإغراق في الكماليات، والبزخ في الحفلات والمناسبات والزواجات والملابس والأثاث وغير ذلك، فيستدين البعض من أجل سيارة فارهة آخر موديل، ويستدين آخر لكي يسافر للسياحة، بل ربما رأيت من يستدين لأمر محرم وعبث وإسراف ولقد بلغ من الترهيب من أمر الدين أن النبى الكريم صلى الله عليه وسلم كان إذا أتي إليه برجل متوفى ليصلي عليه سأل” هل عليه من دين؟ فإن قيل نعم سأل ” هل ترك وفاء؟ فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه، وإلا قال” صلوا على صاحبكم ” وقيل أنه توفي رجل من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وعليه دين، فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الفجر سأل ” ها هنا من بني فلان أحد؟ ” قالها ثلاثًا، فقام رجل فقال أنا منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم.
“إن صاحبكم محبوس عن الجنة بدينه ” رواه أحمد، ولذا كان حبيبنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يستعيذ من الدّين، فقال أنس بن مالك رضي الله عنه كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكثيرا ما سمعته يقول ” اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجُبن، وضلع الدّين وغلبة الرجال ” فإستعن على وفاء دينك بتقوى الله تعالى، فاتقي الله فيما أخذت وما أعطيت، فما اتقى عبد ربه إلا جعل له من أمره يسرا، وجعل له مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب ، فالمدين لا يكاد يرفع رأسا حتى يعود دينه ليطأطئها من جديد، ودائما ما يكون شارد الذهن، مشتت الفكر، حائر الفؤاد، عصبي المزاج، متقلب الأحوال، لا يتجرأ أحد على الحديث إليه أو مداعبته، تتردى علاقته بالآخرين يوما بعد يوم .
وذلك أن الدّين ذل فمال القرض ليس إلا وسما في وجه المدين يراه بين الناس ضعةً وصغارا، والمقرض غالبا ما يمارس مع المدين دور المتجبر بماله قبل أن يدفعه إليه، لأجل ذلك كره الإسلام الدّين بلا حاجة ماسة أو ضرورة ملحّة، وحذر من ذلك أشد التحذير، وفى النهايه لنعلم جميعا أن الدين هم بالليل لأن صاحب الديون يتقلب في فراشه ليلا والناس نيام، يعد الدّين الذي عليه في النور والظلام، يروح إلى منزله مشوش البال، مشتت الأفكار، شارد الدهن، يفكر دوما في عملية الإنقاذ مما أَغرق نفسه فيه من الديون، ويبحث دوما عن الحلول للمشاكل التي أركس فيها، ويفزع حين يسمع دقات باب منزله، ويرتعش حين يسمع رنات هاتفه، خصوصا إذا دفع مقابل ديونه شيكات بدون رصيد، أو كمبيلات بدون اعتماد، وحساباته في البنك خاوية على عروشها، قد وصلت فيها الخطوط الحمراء إلى نهايتها .