بقلم / محمـــد الدكـــروري
ذكرت المصادر التاريخية الإسلامية الكثير والكثير عن الإمام يحيى بن معين هو الإمام الحافظ، إمام الجرح والتعديل أبو زكريا، يحيى بن معين بن عون بن زياد بن بسطام، وكان منهج يحيى بن معين هو كتابة كل ما يسمعه من الشيوخ أو العلماء دون اقتصار على الحديث الصحيح وكان يقول سيندم المنتخب في الحديث حيث لا تنفعه الندامة، وكان كذلك لا يقتصر في النقل والكتابة على مادة اختصاصه وهي الحديث الشريف، وكان يحيى بن معين يقول إذا كتبت فقمّش، وإذا حدّثت ففتش، والتقميش هو جمع الفوائد من هنا وهناك، وفي سنة مائتان وثماني عشر من الهجرة، بدأ الخليفة العباسي المأمون في محاولة إجبار العلماء على اعتناق المذهب المعتزلي الذي يقول إن القرآن مخلوق من مخلوقات الله .
وليس كلاما صادرا عنه، وهو ما يسميه المؤرخون بمحنة خلق القرآن، وكانت عقوبة القتل تنتظر من لم يقل إن القرآن مخلوق، بحجة أنه قد كفر بأن نسب إلى الله صفة بدنية من صفات المخلوقات وهي الكلام، وأظهر عدد كبير من العلماء موافقتهم على هذا الرأي خشية من القتل، واستعمل بعضهم التورية في ذلك، إلا الإمام أحمد بن حنبل الذي رفض بإصرار وضُرب ضربا مبرحا بالسياط دون أن يتراجع عن رأيه، وكان الإمامان يحيى بن معين وعلي بن المديني ممن أظهر موافقته على أن القرآن مخلوق، وذلك خوفا من السيف، وسئل الإمام أحمد بن حنبل عن كتابة الحديث عن يحيى بن معين وأمثاله، فكان لا يرى الكتابة عن أبي نصر التمار، ولا عن يحيى بن معين، ولا أحد ممن امتحن فأجاب.
وتبرير ذلك مع تمام الثقة بصحة نقلهم وبعدهم عن الكذب أن ذلك يضعهم في موقع الأستاذية، فيتأثر الناس بآرائهم،أما يحيى بن معين فقد كان له رأي مغاير، فقد ذكر عنده علي بن المديني مرة فحمل الحاضرون عليه، فقال أحدهم ليحيى يا أبا زكريا، ما عليّ عند الناس إلا مرتد فقال ما هو بمرتد، هو على إسلامه رجل خاف فقال، ما عليه؟ وقيل خرج يحيى بن معين من بغداد إلى الحج في سنة مائتان وثلاث وثلاثين من الهجرة، وحدث أحد رفاقه أنهم لما وصلوا بلدة فيد، أهدي إلى يحيى فالوذج لم ينضج، قال فقلنا له يا أبا زكريا، لا تأكله، فإنا نخاف عليك، فلم يعبأ بكلامنا وأكله، فما استقر في معدته حتى شكا وجع بطنه وانسهل، إلى أن وصلنا إلى المدينة ولا نهوض به، فتفاوضنا في أمره.
ولم يكن لنا سبيل إلى المقام عليه لأجل الحج، ولم ندري ما نعمل في أمره، فعزم بعضنا على القيام عليه وترك الحج، وبتنا فلم يصبح حتى وصّى ومات، فلما أصبحنا تسامع الناس بقدومه وبموته، فاجتمع العامة، وجاءت بنو هاشم، فقالوا نخرج له الأعواد التي غسل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكره العامة ذلك، وكثر الكلام، فقالت بنو هاشم نحن أولى بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو أهل أن يغسل عليها، فغسل عليها، وصلى عليه الناس، وخرجت جنازته، ورجل ينادي بين يديه هذا الذي كان ينفي الكذب عن حديث رسول الله، وقال عباس الدوري سمعت يحيى بن معين مرارا يقول القرآن كلام الله، وليس بمخلوق، والإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، وقال عباس الدوري مات يحيى بن معين.
فحُمل على أعواد النبي صلى الله عليه وسلم أي السرير الذي حُمل عليه، ونودي بين يديه هذا الذي كان ينفي الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أحمد بن محمد بن غالب لما مات يحيى بن معين، نادى إبراهيم بن المنذر الحزامي من أراد أن يشهد جنازة المأمون على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليشهد، وتوفي يحيى بن معين بالمدينة في ذي القعدة، سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، وهو ابن خمس وسبعين سنة، ودفن بالبقيع.
الدكروري يكتب عن وفاة الحافظ الفقية يحيي أبو زكريا