المقالاتشريط الاخبار

الدكروري يكتب عن يوم ترد فية الحقوق

الدكروري يكتب عن يوم ترد فية الحقوق

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الآخرة هي دار الجزاء وتوفية الحقوق وإسترداد المظالم، وهي مرصد المفاليس حين يقدمون بجلل من الصالحات من صلاة، وصيام، وزكاة، وغيرها مما هو دونها في الفضل، في يوم تشح النفوس بالحسنة وإن كانت أما، فيرون ثواب تلك القربات ترحل من سجل حسناتهم إلى صحف من ظلموهم وبخسوهم حقهم، فيذكر النصب الذي بذله والوقت الذي كابده والمال الذي أنفقه ومفارقته اللذائذ لأجل عمل تلك الصالحات، وبات ينتظر ثوابها في يوم تعز فيه الحسنة، ويراها بحسرة المرائر قد ذهبت لغيره بسبب ظلمه له، وتزداد تلك الحسرة إن فنيت حسناته، فتنقل سيئات المظلوم إلى صحيفته مع عدم مباشرته لها فيحاسب عليها كما لو كان عاملاً لها، وتزداد تلك الحسرة حسرات حين تفنى الحسنات وتبقى السيئات فيؤمر به إلى النار، فإن الاغترار بالقوة والقدرة.

والأمن من المحاسبة الدنيوية هي من أسباب الاستخفاف بالحقوق، فقد كتب أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز إلى بعض عمّاله ” أمّا بعد، فإذا دعتك قدرتك على الناس إلى ظلمهم فاذكر قدرة الله عليك وفناء ما تؤتي إليهم وبقاء ما يؤتون إليك، والسلام ” وفي يوم القيامة تتكشف تلك الذرائع عن فسادها، ويبدو المستور، وتسقط أقنعة التأويلات، ويبوء أهلها بشؤم عقباها، وللمخالط والصاحب بالغ الأثر في حفظ حقوق الخلق واستلابها، فالمرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس إلى أصحابه ويبين لهم الحقائق، ويصحح لهم المفاهيم، ويلفت انتباههم إلى ما غاب عنهم أو التبس عليهم، وكثيرا ما كان يجلي لهم الفارق بين قوانين الدنيا وقوانين الآخرة، وبين موازين الله وموازين العباد، فالحمد لله رب العالمين القائم على كل نفس بما كسبت.

الرقيب على كل جارحة بما اجترحت، المطلع على ضمائر القلوب إذ هجست، الحسيب على خواطر عباده إذا اختلجت، الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات والأرض تحركت أو سكنت، المحاسب على النقير والقطمير والقليل والكثير من الأعمال وإن خفيت، المتفضل بقبول طاعات العباد وإن صغرت، المتطوّل بالعفو عن معاصيهم وإن كثرت، وإنما يحاسبهم لتعلم كل نفس ما أحضرت، وتنظر فيما قدمت وأخرت، وتعلم أنه لولا لزومها للإخلاص والصدق والمحاسبة في الدنيا شقيت في صعيد القيامة وهلكت، وبعد الإخلاص والصدق والمحاسبة لولا فضله بقبول بضاعتها المزجاة لخابت وخسرت، فسبحان من عمت نعمته كافة البلاد وشملت، واستغرقت رحمته الخلائق في الدنيا والآخرة وغمرت، فبنفحات فضله اتسعت القلوب للإيمان وانشرحت.

وبيُمن توفيقه تقيدت الجوارح بالعبادات وتأدبت، وبنصرته انقطعت مكائد الشيطان واندفعت، وبلطف عنايته تترجح كفة الحسنات إذا ثقلت، وبتسييره تيسرت من الطاعات ما تيسرت، فمنه العطاء والجزاء، والإبعاد والإدناء، والإسعاد والإشقاء، والصلاة والسلام على نبينا وحبيبنا ومصطفانا سيد الأنبياء وعلى آله سادة الأصفياء، وعلى أصحابه قادة الأتقياء محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم، فإن الصدق نجاة، وإنه من كان صادقا كان الله معه، وأنه من سأل الله تعالي الشهادة بصدق بلغه الله عز وجل منازل الشهداء وإن مات على فراشه، وأن الصادق جزاءه جنات تجري من تحتها الأنهار، وإن منزلة الصدق والصادقين، هي المنزلة التي فرقت بين المؤمنين وبين المنافقين، وفرقت بين أهل النيران وبين أهل الجنان.

الدكروري يكتب عن يوم ترد فية الحقوق

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار