الراوي الذي كتب أسطورة الغياب
الراوي الذي كتب أسطورة الغياب
سليم النجّار
إنّ المظهرية المادية للعمل الروائي، أصبحت تحرّض المتلقي على البحث عن خبراته البصرية في تمثّلها، وتحمله عبء البحث عن دلالته، فهي التي تشارك في الكشف عن تفرّد النص الروائي وطريقة فهمه. لذا يمكن القول إنّه من أسباب توظيف تقنيات الفنّ البصري في الرواية، هي التعبيرات الحتمية التي يحتفظ بها الراوي، ويُضاف إلى ذلك حضوره المتجدّد وغير المحدود في المتن الروائي.
كما يفترض الراوي أنّ وظائفه البصرية تستطيع خرق الأفكار الأصلية التي يطرحها الروائي، ليقوم الراوي بفصلها عن عقائديتها، وتبدّيها في “ثوب طقس واقعي” ستجعل الرواية بعيدة عن المباشرة والتقريرية، كما جاء في رواية “قلوب مضادة للرصاص – محمد مجدي” الصادرة عن دار دوّن – 2016.
كان محمد مجدي واعياً بمسألة تشكّل الأسطورة في تفكير الإنسان، وهو يهبط من مستوى إلى مستوى عبر حكايا، فابتدأ “رغم كلّ ما حدث، لم يندم يوسف على قراره. فمنذ عامين، في أحد أيام الصيف يوليو، وبعد الكثير من الوجع النفسي، قرّر ترك عائلته والذهاب للعيش في العاملين ص7″.
ربّما الذهاب للوحدة والغربة، ولحياة مختلفة، هي العنصر والشرط لرمز الغياب عن العالم القديم، واستبداله لعالم جديد يحتمل لما ذهب له يوسف.
وهذه الفوضى تستمر في الرواية، التي توظَّف في بناء أسطورة خاصّة بالكاتب، وبعثرة الشخصيات الروائية التي تسير على طريق الراوي، الذي بدا يرسم الواقع، أي ما هو في متناول القرّاء، في حين أخضع فنّ الصورة الشخصية الروائية، لضرب من ضروب المغامرة ” كان وائل يحبّ الطبخ، هواية غريبة بالنسبة إلى رجل، خصوصاً في مصر، ولكن في الكثير من الدول الغربية الطبخ شيئاً أساسياً، خصوصاً أنّ معظم الطّهاة المحترفين من الرجال ص46″.
اقترن فنّ الصورة في رواية “قلوب مضادة للرصاص” بترتيبات إجرائية مغايرة محدثة انتهاكاً لأهداف جمالية وصورية فاتنة تمثّلت بالمحاكاة، “قمت بالضغط على الأحرف بترتيب التاريخ الذي وقعت فيه ليلة السكاكين الطويلة، قمت بترقيم الأحرف من الشمال إلى اليمين، ثمّ كتب التاريخ، اليوم والشهر والسنة. أنا متأكد أن هذه هي طريقة فتح البوابة” ص151″.
هذه المحاكاة شكّلت اختلالاً في الإدراك والحساسية الجمالية للصورة الشخصية الروائية، بأثر ماضٍ، تمثّلت بضرورة ارتياد مناطقَ مختلفةٍ في المخيِّلة والحسّ، “مستحيل، لا يوجد من يعرف هذا المكان، وحتّى لو وجد فلن يستطيع أن يفتح البوابات.
قال مستر آدم بصوت غاضب:
” لا يوجد مستحيل، الصوت قريب للغاية لا يمكن أنْ يكون من الخارج، أخرجوا والقوا نظرة” ص219″.
كان هذا القلق على ما هو إنساني، مادة للوحات تشكيلة رسمها الراوي، التي تكاد تكون تصوير مشاعر تبحث عن عتمة الفكرة عن لوعة ذات، يهدِّدها عالم تنافسي، ضاغط شديد الوطأة. إنّ التّعبيرية بمثابة حركة تناهض التّحوّلات الاجتماعية التي تخفي روحية متزايدة، “ابتسم سامر، وتابعوا السير معاً للخروج من الكهف. رغم الآلام التي يشعر بها يوسف، كان يتمزق من الداخل لفقدان داليدا، لن يرى الجسد الضئيل.. والبشرة البرونزية.. والشّعر الأسود الهائش.. والبسمة الطفولية التي تجعله يعتقد أنّ العالم توقّف لبضعة ثوانٍ.. مرّة أخرى ص223”.
ثمّة مماثلة لاقت قدراً من التبجيل، أوردها الراوي على شكل خطاب فكري وجمالي، تدلّ على وجود صلة ترجيحية بين الصورة الشخصية الروائية، والحقيقة. كان تعليلها يتّخذ، غالباً، طابع المقاربة والتّأويل، كأنّه استثمار علائقي بصيغة اجتهاد لفلاسفة وجماليين، “ليس بإمكانه نسيان الأيام الماضية، الكهف الذي اكتشفه والرّموز التي عرف عليها والبوابات القديمة التي استطاع فتحها، وحلمه الذي يشعر باقترابه.. بأنّ تسجل إحدى الاكتشافات التاريخية باسمه ص227”.
رغم ذلك بقي خطاب رواية “قلوب مضادة للرصاص” للروائي “محمد مجدي” طور التشكّل، بل تساؤلاً مفتوحاً يبحث عن إجابة: ما صلة الأسطورة بالحقيقة؟