الرسول في غار ثور
الرسول في غار ثور
بقلم / هاجر الرفاعي
بسم الله الذي لا إله غيره والذي لا معبود بحق إلا هو سبحانه وتعالي والصلاة والسلام علي نبي الرحمه والإحسان فإنه يرجع سبب تسمية غار ثور إلى أنه كان جبل ثور يعرف قديما باسم جبل أطحل، فلمّا سكن ثور بن عبد مناف فيه أصبح يطلق على الجبل اسم جبل ثور نسبة له، ومنه اشتق اسم الغار، ويأخذ الجبل الشّكل المستدير، والغار هو عبارة عن صخرة مجوّفة وله فتحتان إحداهما من جهة الشّرق، والأخرى من جهة الغرب.
ويقع جبل ثور جنوب المسجد الحرام، ويقع فيه غار ثور الذي مكث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه في رحلته في الهجرة إلى المدينة المنورة ثلاث ليالي، ويزوره الناس على مدار العام بقصد السياحة لا أكثر، فلم يرد في الترغيب في زيارته حديث أو آية، ولكن لا بأس بزيارته بقصد السياحة والاستكشاف، وقد ورد ذكر الغار وذكر مكوث النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه فيه في القرآن الكريم .
ويروي الصحابي الجليل أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه ما حدث وهما في الغار حين وصل المشركون إلى باب الغار فطمس الله على أبصارهم وبصيرتهم فلم يروا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، فيقول أبو بكر رضي الله عنه: ” قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار : لو أن أحدهم نظر تحت قدمية لأبصرنا، فقال صلى الله عليه وسلم : ” ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما” رواه البخارى .
وقد أخذ غار ثور اسمه من هذا الجبل، وعندما أذن الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة خرج هو وصاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وفي طريق الهجرة النبوية أرسلت قريش في أثرهم رجالا ليتبعوا أثرهما وأن يأتوا بهما، فكان من بين أولئك فارسا اسمه سُراقة بن مالك، فكان أن كبَت به فرسه كثيرا، ففهم هذا الرجل أن هذين الرجلين محفوظان بحفظ سماوي، فخاف في نفسه، وعندما اقترب من رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب منه الأمان .
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه سيلبس سواري كسرى، وعاهدهما أنه لن يخبر أحدا بمكانهما، وكان كلما صادف أحدا في طريق عودته يقول له: عودوا فليس ثمة أحد، وبعد ذلك أوى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه إلى غار ثور في جبل ثور، ومكثا فيه أياما، وكاد المشركون أن يمسكوا بهما، ولكن تأييد الله سبحانه وتعالى لهما حال بينهما وبين إمساك المشركين الذين كانوا يقفون على باب الغار بهما.
وأكثر ما شاع في روايات السيرة النبوية في الهجرة النبوية قصة نسيج العنكبوت والحمامتين في الغار، فهل وردت أخبار صحيحة حول قصة العنكبوت والحمامتين في غار ثور ؟ فقد روى الإمام أحمد رضي الله ، عن ابن عباس في قوله تعالي : ” وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك ” قال: ” تشاورت قريش ليلة بمكة، فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق، يريدون النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال بعضهم: بل اقتلوه.
وقال بعضهم: بل أخرجوه، فأطلع الله عز وجل نبيه على ذلك ، فبات الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ، فلما رأوا الإمام علي ردّ الله مكرهم، فقالوا: أين صاحبك هذا؟ قال: لا أدري، فاقتصوا أثره، فلما بلغوا الجبل خلط عليهم، فصعدوا في الجبل، فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسيج العنكبوت، فقالوا: لو دخل ههنا لم يكن نسيج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاث ليال” .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله بعد أن ضعّف الحديث: ” ثم إن الآية المتقدمة ” وأيده بجنود لم تروها” فيها ما يؤكد ضعف الحديث ، لأنها صريحة بأن النصر والتأييد إنما كان بجنود لا ترى، والحديث يثبت أن نصره صلى الله عليه وسلم كان بالعنكبوت، وهو مما يُرى، فتأمل ، والأشبه بالآية أن الجنود فيها إنما هم الملائكة، وليس العنكبوت ولا الحمامتين، ولذلك قال البغوي في تفسيره للآية: وهم الملائكة نزلوا يصرفون وجوه الكفار وأبصارهم عن رؤيته.
من ضعّف قصة العنكبوت والحمامتين “أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان ليلة بات في الغار أمر الله تبارك وتعالى شجرة فنبتت في وجه الغار ، وأمر ، العنكبوت فنسجت على وجه الغار، وأمر ، حمامتين وحشيتين فوقعتا بفم الغار، وأتى المشركون من كل فجّ ، وتقدم رجل منهم فنظر فرأى الحمامتين فرجع فقال لأصحابه: ليس في الغار شيء، رأيت حمامتين على فم الغار فعرفت أن ليس فيه أحد .
فسمع النبي صلى الله عليه وسلم قوله فعلم أن الله تبارك وتعالى قد درأ بهما عنه، فسمّت ” دعا بالخير والبركة” عليهما وفرض جزاءهما، واتخذ في حرم الله تبارك وتعالى فرخين أحسبه قال: فأصل كل حمام في الحرم من فراخهما” وقال أبو تراب الظاهري “وقد ورد أن حمامتين وحشيتين عششتا على بابه، وأن شجرة نبتت، وكل ذلك فيه غرابة ونكارة من حيث الرواية ، وفي رواية فيها غرابة ونكارة أن الحمامتين أفرختا، وأن حمام الحرم المكي من نسل تلك الحمامتين، وكل ذلك بأسانيد واهية .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمة الله معلقا على قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: “لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا ” وفيه دليل على أن قصة نسج العنكبوت غير صحيحة، فما يوجد في بعض التواريخ أن العنكبوت نسجت على باب الغار، وأنه نبت فيه شجرة، وأنه كان على غصنها حمامة ، كل هذا لا صحة له لأن الذي منع المشركين من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر رضي الله عنه ليست أمورا حسية تكون لهما ولغيرهما بل هي أمور معنوية وآية من آيات الله عز وجل” .