السجود قرب
محمود سعيد برغش
السجود قرب والسجود رفعة، وكل شيء يسجد لله تعالى، قال الله عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [الحج: 18]، وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [النحل: 49]؛ فالمؤمنون والملائكة يسجدون لله طوعًا واختيارًا، والكافرون يسجدون لله كرهًا واضطرارًا؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ [الرعد: 15].
والسجود عبادة جليلة لا تُصرَف إلا لله وحده؛ قال عز وجل: ﴿فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا﴾ [النجم: 62]؛ فلا يُعبَدُ ولا يُسجَدُ لشيءٍ من المخلوقات مهما كبرت وعظُمت؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [فصلت: 37].
ومَن استولَتْ عليه الشياطين، زيَّنت له السجود لغير الله؛ قال الله عز وجل: ﴿إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ﴾ [النمل: 23، 24]، وما أكثرَ الذين استولت عليهم الشياطين في عصرنا، وزيَّنت لهم السجود لغير الله؛ كمن يسجدون للشمس أو القمر، أو النار أو البقر، وغيرها.
ومَن تكبَّر عن السجود لله في الدنيا، فلن يستطيع السجود في الآخرة إذا دُعِيَ لذلك؛ قال الله عز وجل: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ﴾ [القلم: 43].
والشيطان إذا رأى ابن آدم ساجدًا لله اعتزل يبكي؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتَزَلَ الشيطان يبكي يقول: يا ويله! أُمر ابنُ آدم بالسجود فسجد، فله الجنة، وأُمرت بالسجود فأبيتُ، فلِيَ النار))( ).
من لا يسجد لله فإنه بعيد عن الله، وإن السجود مرتبة رجاء، وبما أنه مرتبة رجاء فهو مرتبة قرب، فأنت تقترب إلى الله؛ لأنه هو الحبيب الأحب.
عندما يتحدث العوام عن شخص يعتقد أنه من الصالحين، فُيقال عنه أنه قريب من الله، يعني: تلمّس الأبواب، وطرق الأبواب التي تجعل الله راضيا عنه، يسير على خطة إيمانية، وهي طريق القرب إلى الله تعالى، وهناك من يسيرون في طريق البعد عن الله تعالى، قال عز وجل: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء: 27]، فالشيطان يريد لك أن تضل وأن تميل، وأن تبتعد عن الله تعالى.
الأذان يبدأ بـ “الله” وينتهي بـ “الله” فالله ينزل لك ملائكة وقت الأذان كي ترغبك في الصلاة، وفي الوقت نفسه الشيطان يحبطك، ويزيد من الكسل عندك، إذن هناك مراتب قرب، وهناك مراتب بعد، وكل مرتبة من مراتب القرب لها جهاد، وأعلى مراتب القرب أن الإنسان ينتصر على نفسه، عندما تهم بالطاعة فلا يمنعك مانع أبدا، وعندما تهم بالمعصية فيأتي وازع من داخلك فيبعدك عنها.
يقول العلماء: لو لم يكن للطاعة فضل سوى أن الله اختارك لطاعته لكان كافيا.
المحرومون كُثُر، وكثيرا ما يمر علي هذا السؤال: أريد أن أصلي فلا أستطيع، فما العمل؟ عندما يهم إلى الصلاة فيجد عشرات الموانع، فعاش محروما من لذة الصلاة.
الطريق مفتوح لأهل الطاعة، وسيدنا موسى لم ينطلق وحده، ولكن كان معه من يساعده، ومن يعلمه ومن يعينه على القرب من الله تعالى.
خرج آدم وزوجته من الجنة؛ لأن الشيطان وسوس لهما، فكانا في حالة بعد، ولم يكونا في حالة قرب من الله تعالى، فلم يعرف آدم مرارة المعصية إلا بعدما أصبح عريانا؛ لأن المعصية جعلته في مقام بعد، فجأة انكشف، وتعرى، بعدما كان آدم الذي أسجد الله تعالى له الملائكة، فكان في حالة قرب، وبعدها بفترة قصيرة فإذا بآدم نفسه يصير عريانا ويخرج من الجنة، وهذا سلب بعد العطاء، احذروا أن تتحولوا من القرب إلى البعد، يقول تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾. [الأعراف: 27]. خروج آدم من الجنة أكبر انتكاسة مرت به في حياته.
تخيل شخصا محترما بين الناس، وفجأة وجد نفسه عاريا، هذا الأمر لا يستطيع أحد أن يتقبله أو يتحمله، ولكن هذا ما حدث مع آدم، إذن كيف يغير آدم عليه السلام الحالة التي وصل إليها؟ لا بد أن يغير المكان، لا بد أن يهبط إلى الأرض. قال تعالى: ﴿قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ﴾ [الأعراف: 24 – 25].
هل يستطيع آدم عليه السلام أن يسترد الحالة الإيمانية النورانية التي كان عليها قبل أن يخرج من الجنة؟ نعم، مرحلة قرب، ثم مرحلة بعد وخروج من الجنة، بعدها مرحلة الاستعمار في الأرض، فبدأ يجاهد مجاهدة ثانية حتى تاب الله تعالى عليه.
المعاصي تخذل صاحبها، والشيطان يستدرج الإنسان ثم يتبرأ منه، يقول تعالى: {وَقَالَ ٱلشَّيْطَٰنُ لَمَّا قُضِىَ ٱلْأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى ۖ فَلَا تَلُومُونِى وَلُومُوٓاْ أَنفُسَكُم ۖ مَّآ أَنَا۠ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِىَّ إِنِّى كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّٰلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إبراهيم: 22]، الإنسان عندما يفعل المعصية يُحال بينه وبين رحمة الله، وأيضا يتخلى عنه الشيطان ويتبرأ منه.