الدكروري يكتب عن الثبات على القيم حصانة للمجتمع
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الصدق نجاة وخير، وإن عاقبة الصدق خير، وإن توقع المتكلم شرا، فقال الله تعالى في سورة محمد ” فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم ” وفي قصة توبة كعب بن مالك يقول كعب بعد أن نزلت توبة الله على الثلاثة الذين خلفوا ” يا رسول الله إن الله تعالى إنما أنجاني بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدّث إلا صدقا ما بقيت ” ويقول كذلك ” فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط ، بعد أن هداني للإسلام، أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين كذبوا ” رواه البخاري، وكما روى ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد بن حنبل أنه قيل له ” كيف تخلصت من سيف المعتصم وسوط الواثق ؟ فقال ” لو وُضع الصدق على جرح لبرأ ” وإن الثبات على القيم حصانة للمجتمع من الذوبان، وبه تفيض عليه طمأنينة.
وتجعل حياته وحركته إلى الأمام، ثابتة الخطى، فهى ممتدة من الأمس إلى اليوم، لأنها في إطار العقيدة وسياج الدين، وقد حرم الإسلام كل عمل ينتقص مِن حق الحياة، سواء أكان هذا العمل تخويفا، أو إهانة، أو ضربا، أو اعتقالا، أو تعذيبا، أو تطاولا، أو طعنا في العرض، فإن حياة الإنسان المادية والأدبية موضع الرعاية والاحترام، فعن هشام بن حكيم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا” رواه مسلم، فحق الحياة وحرمتها يستتبع توافر السلامة والأمان، ومن هنا أوصد الرسول صلى الله عليه وسلم الأبواب أمام كل من يستهينون بأقدار الآخرين وحقوقهم، خصوصا الحكام الذين قد يدهمون البيوت لتفتيشها، أو يعتقلون خصومهم، واعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم النظرة المجردة داخل بيت الإنسان اعتداء على حرمته.
فقال في الحديث الذين رواه احمد، عن أبى ذر الغفارى رضى الله عنه “أيما رجل كشف سترا فأدخل بصره قبل أن يؤذن له فقد أتى حدا لا يحل له أن يأتيه، ولو أن رجلا فقأ عينه بسبب ذلك لهدرت” أي لا يأخذ عليها دية، ونهى النبى صلى الله عليه وسلم عن ترويع المسلم فقال “لا يحل لمسلم أن يروع مسلما” رواه أبو داود، وفى رواية أخرى “لا تروعوا المسلم فإن روعة المسلم ظلم عظيم” رواه البزار، وقال في حديث آخر”لا يقفن أحدكم موقفا يضرب فيه رجل ظلما فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه” رواه الطبراني، فتعريض الإنسان لأي فزع جريمة، وحق الحياة الآمنة من المخاوف والمظالم لا بد من إنباته في حياة الجماعة، وتصل العظمة بالرسول صلى الله عليه وسلم الرائد الأول والأعظم لحقوق الإنسان، حين يحفظ للإنسان كرامته بعد موته.
فقد قال لمن أراد أن يكسر عظم ميت “لا تكسره فإن كسرك إياه ميتا ككسرك إياه حيا” رواه مالك، وابن ماجه، وأبو داود، وأمر بالترفق بالميت فقال “إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه” رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، ودعا إلى ستر سوءة الميت وعيوبه الشخصية، فقال “لا تسبوا الأموات، فإنهم أفضوا إلى ما قَدموا” رواه البخاري، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قام لجنازة يهودي، ولما عجب بعض الصحابة من ذلك نبههم إلى أن ذلك التكريم لمحض آدميته، ولمجرد إنسانيته، فحق الحياة مصون في ظل الرسالة المحمدية، وفى غياب هذه الرسالة والهدي النبوي الكريم تنتشر المذابح والمجازر الجماعية، ويصبح قتل النفس كشربة ماء، وما يحدث في العديد من مناطق الصراع اليوم خير شاهد على ذلك.