العقل الأساس والشرع البناء
محمـــد الدكـــروري
الحمد لله شرح صدور المؤمنين فانقادوا لطاعته، وحبيب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، فلم يجدوا حرجا في الاحتكام إلى شريعته، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد ذكرت المصادر الإسلامية الكثير عن العقل، فقال الإمام علي بن أبي طالب رضى الله عنه لقد سبق إلى جنات عدن أقوام ما كانوا بأكثر الناس صلاة ولا صياما ولا حجا، ولا إعتمارا، لكنهم عقلوا عن الله موعظه، فوجلت منه قلوبهم، اطمأنت إليه نفوسهم، وخشعت له جوارحهم، فاقوا الناس بطيب المنزلة، وعلوّ الدرجة عند الناس في الدنيا، وعند الله في الآخرة، وقالت أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها قد أفلح من جعل الله له عقلا” وعلى المسلم أن ينزل العقل منزلته اللائقة به.
وهي وسط بين طرفين، الطرف الأول هو من جعل العقل أصلا كليا أوليا، مستقلا بنفسه عن الشرع، يستغني عنه، وأما عن الطرف الثاني هو من أعرض عن العقل، ذمه وعابه، قدح في الدلائل العقلية مطلقا، وأهل الوسط في ذلك هم أهل السنة والجماعة، فقالوا إن العقل شرط في معرفة العلوم، وكمال الأعمال وإصلاحها لهذا كانت سلامة العقل شرطا في التكليف، في الأحوال الحاصلة مع عدم العقل ناقصة، الأقوال المخالفة للعقل باطلة، وتدبر القرآن يكون بالعقول، حيث قال تعالى ” أفلا يتدبرون القرآن ” فالعقل هو المدرك لحجة الله على خلقه، وإن العقل لا يستقيم بنفسه، بل هو محتاج للشرع، وإن العقل مصدق للشرع في كل ما أخبر به، وإن الشرع دلّ على الأدلة العقلية، وبينها، ونبه عليها، وقال الإمام الشاطبي رحمه الله إذا تعاضد النقل والعقل على المسائل الشرعية فعلى شرط.
أن يتقدم النقل فيكون متبوعا، يتأخر العقل فيكون تابعا فلا يسرح العقل في مجال النظر إلا بقدر ما يسرحه النقل، وهذه ثمرة العقل وفضل العقلاء، أما من طالع أحوال الجهلة يرى عجبا لسوء أخلاقهم مع ما عندهم من نعمة العقل، ولكن ما هي مكانة أهل العقول عند الله ؟ وكيف خاطبهم القرآن الكريم؟ وما دور الشريعة في تعزيز الفكر الإيجابي ونشر التفاؤل ؟ وما ثمرات العقل المستنير؟ وما هي المعينات على الفكر وصناعة العقل؟ فالعقل نعمة عظيمة من نعم الله تعالى أنعم بها على الإنسان، إذ من خلاله يتعرف الإنسان على أسرار خلق الله تعالى وعظيم صنعه، وبه يتوصل إلى تصديق الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله تعالى هدايته وسعادته، وذلك أن الإنسان لا يستطيع أن يهتدي إلا بالشرع، والشرع لا يتبين إلا بالعقل، فالعقل الأساس والشرع البناء، أو الشرع كالشمس.
والعقل العين، فإذا فتحت رأت الشمس، وإلا فلا، ولقد مدح الله أهل العقل بقوله ” وما عقلها إلا العلمون ” وكما قال تعالي ” أولو النهى ” وكما قال تعالي في سورة النحل ” وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر علي شيء وهو كل علي مولاه أينما يوجهه لا يأتي بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو علي صراط مستقيم ” فهذا مثل بليغ يبين الفارق الهائل بين الإنسان الذي عطلت قواه، فلا ينتفع بعقله ولا بلسانه، يعيش عالة على غيره، لا يرجى منه خير ولا ينتظر منه نفع وبين إنسان آخر يفيض عدلا، ويهدي إلى الصراط المستقيم قولا وعملا، فهو مصدر صلاح لنفسه ولغيره، العاقل هو الذي يحبس نفسه يردها عن هواها، وسمي العقل عقلا لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك، أي حبسه، وقيل العقل هو التمييز الذي به يتميز الإنسان من سائر الحيوان.
العاقل من اتعظ بغيره، الأحمق أو الجاهل من يتعظ به غيره، العاقل من يكون حاضر العقل والقلب، فلا طيش ولا ضلال، قال الأصفهاني، وأصل العقل هو الإمساك ، عقل البعير العقال، وعقل الدواء البطن، وعقل المرأة شعرها، وعقل لسانه كفه ومنه قيل الحصن معقل، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، نفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، استغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفر، إنه هو الغفور الرحيم..
العقل الأساس والشرع البناء


