الرئيسيةاخبارالعنف الأسري في مصر.. حين يتحول البيت من مودة إلى معركة
اخبار

العنف الأسري في مصر.. حين يتحول البيت من مودة إلى معركة

العنف الأسري في مصر.. حين يتحول البيت من مودة إلى معركة

✍️ بقلم: محمود سعيد برغش

في زمنٍ كان يُفترض أن تكون فيه الأسرة المصرية ملاذًا آمنًا ومصدرًا للسكون، تحوّل بعض البيوت إلى ساحات للعنف والدماء.
مشاهدٌ مؤلمة تتكرر يومًا بعد يوم: عريس يقتل عروسه بعد أيام من الزفاف، أم تضرب ابنها حتى الموت، أب يعنّف أسرته بلا رحمة، وكأننا أمام مشهد لانهيار القيم التي بُني عليها المجتمع المصري منذ قرون.

هذه الحوادث لم تعد استثناءً، بل أصبحت ظاهرة اجتماعية خطيرة تنذر بتفكك الأسرة وتدمير أجيال قادمة ما لم تُتخذ خطوات جادة من الدولة والمجتمع والعلماء والمربين.

🔹 أولًا: توجيه القرآن الكريم في بناء الأسرة

القرآن الكريم جعل أساس العلاقة الزوجية قائمًا على المودة والرحمة، لا على القسوة والعنف، فقال تعالى:

> “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا، وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً” (الروم: 21)

كما أمر الله الأزواج بحسن المعاشرة فقال:

> “وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ” (النساء: 19)

وفي موضع آخر حذر من الظلم فقال:

> “وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا” (البقرة: 231)

فالأسرة في منطق الإسلام ليست ساحة سيطرة أو انتقام، بل بيت سكينة ورحمة وتعاون.

🔹 ثانيًا: هدي النبي ﷺ في الرحمة بالأهل والأبناء

كان رسول الله ﷺ القدوة في التعامل الرحيم مع الأهل والأطفال، فقد روت السيدة عائشة رضي الله عنها:

> “ما ضرب رسول الله ﷺ شيئًا قط بيده، لا امرأة ولا خادمًا.”

وقال ﷺ:

> “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي.”

بل إنه ﷺ كان يُظهر عطفه وحنانه حتى مع الأطفال، فحين قبّل الحسن بن علي، قال له الأقرع بن حابس: “إن لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحدًا”، فقال له النبي ﷺ:

> “من لا يَرحم لا يُرحم.”

فأي دين هذا الذي يوصي بالرحمة حتى في اللمسة والنظرة والكلمة، فكيف يُبرر أحدهم رفع يده على زوجته أو ابنه؟

🔹 ثالثًا: من أقوال الصحابة والخلفاء الراشدين

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

> “لا تُكرهوا نساءكم على العيش معكم، فمن أحبّكِ أكرمه، ومن أبغضكِ فسرّحه بمعروف.”

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

> “المرأة ريحانة وليست بقهرمانة.”
أي تُعامل برفق لا بعنف، ويُراعى فيها ضعفها وكرامتها.

هكذا فهم الصحابة معنى الرجولة، أنها رفق وحكمة لا بطش وقسوة.

🔹 رابعًا: أقوال الفقهاء والعلماء والتابعين

قال الإمام الشافعي:

> “من أخلاق المسلم أن يكون في بيته أحسن الناس خُلقًا، لأنهم أحق الناس بحسن خُلقه.”

وقال الإمام مالك:

> “من ضرب امرأته بغير حق فهو ظالم، والظلم ظلمات يوم القيامة.”

وقال الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين:

> “الأبوة ليست تسلّطًا بل رعاية ورحمة، فمن استعمل القسوة في التربية فقد خان الأمانة.”

وقال الحسن البصري من التابعين:

> “البيت الذي يُبنى على الخوف لا يُثمر إلا قلبًا مكسورًا.”

فجميعهم أجمعوا أن العنف يهدم ولا يبني، وأن القسوة ليست من شيم المؤمن.

🔹 خامسًا: رأي الشرع في العنف الأسري

الشرع الحنيف حرّم العنف بكل صوره، لأنه يناقض مقاصد الشريعة في حفظ النفس والعِرض والكرامة.
قال النبي ﷺ:

> “إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله.”
وقال أيضًا:
“ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نُزع من شيء إلا شانه.”

ولذلك، فكل من يبرر العنف باسم التربية أو الغيرة أو الرجولة، فهو يخالف صريح السنة ومقاصد الإسلام.

🔹 سادسًا: موقف القانون

القانون المصري شدد العقوبات على جرائم العنف الأسري:

المادة 242 من قانون العقوبات: من أحدث عمدًا جرحًا أو ضربًا بآخر يُعاقب بالحبس.

قانون حماية الطفل رقم 12 لسنة 1996 والمعدل بالقانون 10 لسنة 2021 يجرّم كل أشكال الإيذاء الجسدي والنفسي للأطفال.

وتُعتبر جريمة العنف الأسري جريمة عامة لا تُسقطها المصالحة في حالات الوفاة أو العاهة المستديمة.

بل إن الدولة المصرية بدأت مؤخرًا في تخصيص وحدات حماية للمرأة والطفل داخل أقسام الشرطة، كخطوة إيجابية نحو حماية الأسرة من الانهيار.

🔹 سابعًا: الحلول والمقترحات

1. نشر الوعي الديني والإعلامي حول خطورة العنف وضرورة الرحمة داخل الأسرة.

2. تفعيل دور المؤسسات الدينية في توجيه الناس إلى حسن التعامل.

3. تغليظ العقوبات القانونية لردع المعتدين.

4. إعداد برامج تأهيل قبل الزواج لتعليم الأزواج أسس الحياة الزوجية والتواصل الإنساني.

5. تقديم دعم نفسي واجتماعي للنساء والأطفال ضحايا العنف.

إن الله تعالى قال:

> “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ” (النحل: 90)

فلا عدل في بيتٍ يُضرب فيه الضعيف، ولا إحسان في قلبٍ يقسو على أقرب الناس إليه.
الأسرة المصرية كانت دومًا رمزًا للمحبة والرحمة، فلا نسمح أن تتحول إلى ساحة صراع أو مقبرة للمشاعر.
ولنُحيي في بيوتنا قول النبي ﷺ:

> “الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *