الرئيسيةمقالاتالقلوب بلهفاتها فهداها
مقالات

القلوب بلهفاتها فهداها

مصدر القلق فى كثير من البيوت اليوم
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله فتح بابه للطالبين وأظهر غناه للراغبين، وبسط يده للسائلين، قصدته الخلائق بحاجاتها فقضاها، وتوجهت له القلوب بلهفاتها فهداها، وضجت إليه أصوات ذوي الحاجات فسمعها، ووثقت بعفوه هفوات المذنبين فوسعها، وطمعت بكرمه آمال المحسنين فما قطع طمعها، بابه الكريم مناخ الآمال ومحط الأوزار، لا ملجأ للعباد إلا إليه ولا معتمد إلا عليه، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، أرسله ربه رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين، فهدى الله به من الضلالة وبصر به من الجهالة وكثر به بعد القلة وأغنى به بعد العيلة، ولمّ به بعد الشتات وأمّن به بعد الخوف، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه الغر وسلم تسليما كثيرا، أما بعد لقد أمنا الإسلام بحسن تربية الأبناء وتعليمهم.

وتنشئتهم علي التربية الإسلامية السمحة، وإن واقع الأبناء نستشفه مما نراه بأعيننا وما نسمعه من أغلب الوالدين فاليوم لا تكاد تجلس إلى أحد إلا وهو يشكو سلبية سلوك أبنائه ويخشى عليهم من هجمة الفساد وأهله، وأصبح الأبناء مصدر قلق فى كثير من البيوتات، وإنطلق كثير من الناس يبحث عن الوقاية والحل ويسأل هنا وهناك ومما يمكن أن تلمسه من سلوكيات الأبناء وتسمعه من شكاوى مريرة من الكثير من الأهالى فإذا كان هذا هو واقع الأبناء بناء على شهادة والديهم، فما هو واقع الوالدين؟ فإذا تفحصنا أسباب فساد الأبناء، وجدنا أن عامته بسبب الوالدين أو لهم اليد الأطول فيه، فالأبناء ما بين محروم من متع الحياة وضرورياتها، وأخر ربما حصل على حاجته الجسمية فقط، وحرم ما عداها لانشغال والديه أو أنانيتهما أو لعدم وعيهما بأهمية دورهما وأثرهما في حياة أبنائهم.

وقد قال ابن القيم رحمه الله “كم ممن أشقى ولده، وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه وأنه يرحمه وقد ظلمه ففاته انتفاعه بوالده وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة” ومن الأساليب التربوية الخاطئة الممارسة من قبل بعض الوالدين والتي قد تكون ساهمت في سلبية سلوك الأبناء هو الصرامة والشدة والقسوة عليهم أكثر من اللازم إما بضربهم ضربا مبرحا إذا أخطئوا، أو بكثرة تقريعهم وتأنيبهم عند كل صغيرة وكبيرة، ويعتبر علماء التربية والنفسانيون هذا الأسلوب أخطر ما يكون على الطفل إذا استخدم بكثرة، فالحزم مطلوب في المواقف التي تتطلب ذلك، أما العنف والصرامة فيزيدان المشكلة تعقيدا، كما أن الصرامة والشدة تجعل الطفل يخاف ويحترم المربى، في وقت حدوث المشكلة فقط.

ولكنها لا تمنعه من تكرار السلوك مستقبلا وقد يعلل الكبار قسوتهم على الطفل بأنهم يحاولون دفعه إلى المثالية في دراسته وسلوكه، ولكن هذه القسوة قد تأتي برد فعل عكسي، وتقول المصادر أن الأب يرى أن الزمان الذي يعيش فيه ولده زمانا خطرا لا أمان فيه، فالناس قد تبدلوا وتغيرت أخلاقهم، بل إن منظومة القيم والأخلاق بشكل عام قد إختلت، وعلى ولده أن ينتبه لكل صغيرة وكبيرة لأن من حول ولده ذئاب وليسوا بشرا، فهو يرى أن التجربة التي مر بها ولده غير كافية ليعتمد على نفسه، فهو يحتاج إلى من يقدم له الإستشارة ويساعده ليشق طريقه في الحياة، وهكذا يستمر الصراع، وقد ينتهي بنهاية محزنة للطرفين، وقد حدث هذا الأمر للكثير من الناس، فتفرق الأحباب، وتشتت الشمل، وتنافرت القلوب، وتضادت النفوس، ومع مرور الوقت يكبر الولد، ويكبر معه عقله.

ويتسع صدره، وتكثر تجاربه، وتزداد خبرته في الحياة، وتصبح رؤياه للأمور أكثر نضوجا وأعمق وأكثر واقعية، فيكتشف أنه كان مخطئا، فمن منح من العمر أياما أخرى، فربما يستطيع أن يعوض ما فاته، ويكفر عما إقترف مع أقرب الناس إليه وأكثرهم فضلا وحقا عليه أبيه، ومن إنتبه بعد فوات الأوان وقد مات أبوه، فستبقى الحسرة والندم يأكلان قلبه، وسيكون أمره إلى الله تعالى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *