الرئيسيةUncategorizedاللواء سمير فرج : مصر والنووي السلمي
Uncategorized

اللواء سمير فرج : مصر والنووي السلمي

   

اللواء سمير فرج : مصر والنووي السلمي

 

كتب أحمد القطعاني 

 

أكد لواء دكتور/ سمير فرج خلال وجودي ملحقًا عسكريًا في تركيا لمدة ثلاث سنوات، كان الرئيس التركي تورغوت أوزال أكبر صديق لمصر من بين كل رؤساء الأتراك. وعندما حضر الرئيس الراحل مبارك لزيارة تركيا، أُقيم له أكبر استقبال لم يحدث في تاريخ تركيا لأي رئيس عربي أو أوروبي، بما فيهم الرئيس الفرنسي الذي كان يزور تركيا قبل مبارك بأسبوعين.

وفجأة توفي الرئيس تورغوت أوزال، وفي ذلك الوقت جلست مع الأخ العزيز السفير المصري في تركيا آنذاك، السفير محمد الدواني، وهو من أعظم السفراء المصريين في تاريخ الخارجية المصرية، وكنا نتناقش حول من سيحضر الجنازة: هل الرئيس مبارك أم رئيس الوزراء.

وفي الصباح وصلنا على الفاكس أن الممثل لمصر في الجنازة سيكون وزير الكهرباء المصري آنذاك، المرحوم ماهر أباظة. وطبعًا تعجبنا من هذا الاختيار، لكن علمنا فيما بعد أنه من أصل تركي، حيث إن عائلته الأصلية هاجرت من تركيا من اقليم هابظيا إلى مصر واستقرت في محافظة الشرقية، وأصبحت من أكبر العائلات في تلك المحافظة. لذلك كان ترحيب الصحافة التركية في اليوم التالي كبيرًا بإرسال مصر أحد أهم وزرائها من أصل تركي.

وبعد الجنازة، وصلنا إلى مبنى السفارة ومعنا الوزير ماهر أباظة، لنجد مئات الأتراك من عائلة “أباظة” وصلوا من محافظتهم للترحيب بابن عمهم المصري التركي الأصل، وكانت مظاهرة رائعة من الحب بين مصر وتركيا.

وخلال وجود الوزير ماهر أباظة معنا، كان يحكي لنا عن حزنه الشديد لأنه عرض على الرئيس مبارك في ذلك الوقت إقامة محطة نووية لإنتاج الكهرباء، وبعد أن وافق الرئيس حدثت مشكلة تشيرنوبيل والتسرب الإشعاعي. وهنا صدر قرار مبارك – رحمه الله – بألا تدخل المحطات النووية إلى مصر.

وكان الوزير أباظة يحاول إقناع الرئيس بأن المحطة التي حدث بها التسرب هي محطة روسية قديمة، وأن العالم كله – وليس روسيا فقط – شهد تطورًا كبيرًا في إجراءات الأمان النووي. ولكن جاء رفض مبارك قاطعًا، بينما كان أباظة يقول دائمًا: “المفاعلات النووية هي سمة العصر الحديث”.

وتمر الأيام، ليعلن الرئيس السيسي دخول مصر عصر الطاقة النووية السلمية لإنتاج الكهرباء في محطة الضبعة، خاصة بعد ارتفاع أسعار البترول في العالم كله. وفي البداية حاولت مصر التفاوض مع الولايات المتحدة لإنشاء المحطة، لكنها تعثرت بعد إصرار أمريكا على حق التفتيش على جميع المنشآت النووية المصرية، وهو ما رفضته القيادة السياسية.

ورأى الرئيس السيسي أن مصر اقتربت من التصديق على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، رغم عدم انضمام إسرائيل لها، وهذه رسالة واضحة أن القيادة تضع كرامة مصر واستقلال قرارها السياسي فوق كل شيء وبعد فشل المفاوضات مع الولايات المتحدة، بدأت مصر التفاوض مع فرنسا، لكنها تعثرت مرة أخرى.

وكان في البداية اختيار المكان في منطقة سيدي كرير، لكن الزحف العمراني الكبير خصوصًا في مصايف الساحل الشمالي جعل القرار يتجه نحو اختيار منطقة الضبعة. وخلال هذه الفترة ظهرت اعتراضات على إنشاء المحطة بسبب حادثة تشيرنوبيل، كما ظهرت أصوات تطالب بالاعتماد على الغاز الطبيعي والبترول.

لكن الدراسات الحديثة أثبتت أن المفاعلات المطلوبة لمصر مختلفة تمامًا عن مفاعل تشيرنوبيل، وأن إجراءات السلامة الجديدة تمنع تكرار مثل هذا الحادث. فجاء الرئيس السيسي ليعيد هذا المشروع إلى النور، واتصل بالرئيس الروسي بوتين لبدء الدراسات من خلال هيئة المحطات النووية في مصر.

وصدرت التوصيات بأن مصر يمكنها بناء وتشغيل أول محطة نووية لإنتاج الكهرباء بالتكنولوجيا الروسية، وأن منطقة الضبعة من أنسب الأماكن على ساحل البحر المتوسط، وأن الهدف هو توفير كهرباء نظيفة ورخيصة لمصر.

وتم توقيع الاتفاق في نوفمبر 2015، وبدأ التنفيذ في 2017، ومن المنتظر الانتهاء من المحطة بين عامي 2028–2029م.

تتكون المحطة من أربعة مفاعلات، وتبلغ تكلفة المشروع 21 مليار دولار. وطبقًا للعقد المصري الروسي، فإن روسيا ملتزمة ببناء المحطة بالكامل، وتوريد الوقود النووي طوال 60 عامًا هي العمر التشغيلي للمفاعل، مع تدريب الكوادر المصرية ودعم التشغيل والصيانة في العقد الأول، وإنشاء مرافق لتخزين الوقود المستنفد، وتقديم حاويات آمنة.

وهكذا تتحول مصر إلى دولة تمتلك أهم عناصر الأمن القومي: تحقيق الاكتفاء الذاتي من الكهرباء، وتحويل مصر إلى أكبر مركز إقليمي للطاقة النظيفة في الشرق الأوسط، وفق رؤية مصر 2030.

يعد وعاء الضغط أحد أهم المكونات الحيوية في أي محطة نووية، إذ يحتوي على قلب المفاعل، حيث تحدث سلسلة التفاعلات الانشطارية المُحكمة، ويُصمم لتحمل ضغوطًا عالية جدًا ودرجات حرارة تتجاوز 300 درجة مئوية، مع ضمان تام لعدم تسرب أي مواد مشعة.

ووصل وعاء الضغط الخاص بالوحدة الأولى إلى ميناء الضبعة التخصصي في 21 أكتوبر 2025، بعد نقله من روسيا عبر سفن متخصصة، في عملية لوجستية معقدة استغرقت أسابيع، وتم خلالها تأمينه وفق أعلى معايير السلامة العالمية.

وستلعب محطة الضبعة دورًا حيويًا في تعزيز الشبكة الكهربائية المصرية من حيث القدرة الإنتاجية والاستقرار، بل وتصدير الفائض إلى دول الجوار.

ولقد شاهد العالم احتفال الرئيس المصري بتركيب أول وعاء ضغط للمفاعل الأول، والذي يعد إنجازًا حضاريًا كبيرًا، لتكون مصر أول دولة في المنطقة تدخل عصر النووي السلمي.

وهذه هي مصر… دائمًا الأولى في الفكر والتطوير لصالح المواطن المصري.

اللواء سمير فرج : مصر والنووي السلمي

كتب أحمد القطعاني

أكد لواء دكتور/ سمير فرج خلال وجودي ملحقًا عسكريًا في تركيا لمدة ثلاث سنوات، كان الرئيس التركي تورغوت أوزال أكبر صديق لمصر من بين كل رؤساء الأتراك. وعندما حضر الرئيس الراحل مبارك لزيارة تركيا، أُقيم له أكبر استقبال لم يحدث في تاريخ تركيا لأي رئيس عربي أو أوروبي، بما فيهم الرئيس الفرنسي الذي كان يزور تركيا قبل مبارك بأسبوعين.
وفجأة توفي الرئيس تورغوت أوزال، وفي ذلك الوقت جلست مع الأخ العزيز السفير المصري في تركيا آنذاك، السفير محمد الدواني، وهو من أعظم السفراء المصريين في تاريخ الخارجية المصرية، وكنا نتناقش حول من سيحضر الجنازة: هل الرئيس مبارك أم رئيس الوزراء.
وفي الصباح وصلنا على الفاكس أن الممثل لمصر في الجنازة سيكون وزير الكهرباء المصري آنذاك، المرحوم ماهر أباظة. وطبعًا تعجبنا من هذا الاختيار، لكن علمنا فيما بعد أنه من أصل تركي، حيث إن عائلته الأصلية هاجرت من تركيا من اقليم هابظيا إلى مصر واستقرت في محافظة الشرقية، وأصبحت من أكبر العائلات في تلك المحافظة. لذلك كان ترحيب الصحافة التركية في اليوم التالي كبيرًا بإرسال مصر أحد أهم وزرائها من أصل تركي.
وبعد الجنازة، وصلنا إلى مبنى السفارة ومعنا الوزير ماهر أباظة، لنجد مئات الأتراك من عائلة “أباظة” وصلوا من محافظتهم للترحيب بابن عمهم المصري التركي الأصل، وكانت مظاهرة رائعة من الحب بين مصر وتركيا.
وخلال وجود الوزير ماهر أباظة معنا، كان يحكي لنا عن حزنه الشديد لأنه عرض على الرئيس مبارك في ذلك الوقت إقامة محطة نووية لإنتاج الكهرباء، وبعد أن وافق الرئيس حدثت مشكلة تشيرنوبيل والتسرب الإشعاعي. وهنا صدر قرار مبارك – رحمه الله – بألا تدخل المحطات النووية إلى مصر.
وكان الوزير أباظة يحاول إقناع الرئيس بأن المحطة التي حدث بها التسرب هي محطة روسية قديمة، وأن العالم كله – وليس روسيا فقط – شهد تطورًا كبيرًا في إجراءات الأمان النووي. ولكن جاء رفض مبارك قاطعًا، بينما كان أباظة يقول دائمًا: “المفاعلات النووية هي سمة العصر الحديث”.
وتمر الأيام، ليعلن الرئيس السيسي دخول مصر عصر الطاقة النووية السلمية لإنتاج الكهرباء في محطة الضبعة، خاصة بعد ارتفاع أسعار البترول في العالم كله. وفي البداية حاولت مصر التفاوض مع الولايات المتحدة لإنشاء المحطة، لكنها تعثرت بعد إصرار أمريكا على حق التفتيش على جميع المنشآت النووية المصرية، وهو ما رفضته القيادة السياسية.
ورأى الرئيس السيسي أن مصر اقتربت من التصديق على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، رغم عدم انضمام إسرائيل لها، وهذه رسالة واضحة أن القيادة تضع كرامة مصر واستقلال قرارها السياسي فوق كل شيء وبعد فشل المفاوضات مع الولايات المتحدة، بدأت مصر التفاوض مع فرنسا، لكنها تعثرت مرة أخرى.
وكان في البداية اختيار المكان في منطقة سيدي كرير، لكن الزحف العمراني الكبير خصوصًا في مصايف الساحل الشمالي جعل القرار يتجه نحو اختيار منطقة الضبعة. وخلال هذه الفترة ظهرت اعتراضات على إنشاء المحطة بسبب حادثة تشيرنوبيل، كما ظهرت أصوات تطالب بالاعتماد على الغاز الطبيعي والبترول.
لكن الدراسات الحديثة أثبتت أن المفاعلات المطلوبة لمصر مختلفة تمامًا عن مفاعل تشيرنوبيل، وأن إجراءات السلامة الجديدة تمنع تكرار مثل هذا الحادث. فجاء الرئيس السيسي ليعيد هذا المشروع إلى النور، واتصل بالرئيس الروسي بوتين لبدء الدراسات من خلال هيئة المحطات النووية في مصر.
وصدرت التوصيات بأن مصر يمكنها بناء وتشغيل أول محطة نووية لإنتاج الكهرباء بالتكنولوجيا الروسية، وأن منطقة الضبعة من أنسب الأماكن على ساحل البحر المتوسط، وأن الهدف هو توفير كهرباء نظيفة ورخيصة لمصر.
وتم توقيع الاتفاق في نوفمبر 2015، وبدأ التنفيذ في 2017، ومن المنتظر الانتهاء من المحطة بين عامي 2028–2029م.
تتكون المحطة من أربعة مفاعلات، وتبلغ تكلفة المشروع 21 مليار دولار. وطبقًا للعقد المصري الروسي، فإن روسيا ملتزمة ببناء المحطة بالكامل، وتوريد الوقود النووي طوال 60 عامًا هي العمر التشغيلي للمفاعل، مع تدريب الكوادر المصرية ودعم التشغيل والصيانة في العقد الأول، وإنشاء مرافق لتخزين الوقود المستنفد، وتقديم حاويات آمنة.
وهكذا تتحول مصر إلى دولة تمتلك أهم عناصر الأمن القومي: تحقيق الاكتفاء الذاتي من الكهرباء، وتحويل مصر إلى أكبر مركز إقليمي للطاقة النظيفة في الشرق الأوسط، وفق رؤية مصر 2030.
يعد وعاء الضغط أحد أهم المكونات الحيوية في أي محطة نووية، إذ يحتوي على قلب المفاعل، حيث تحدث سلسلة التفاعلات الانشطارية المُحكمة، ويُصمم لتحمل ضغوطًا عالية جدًا ودرجات حرارة تتجاوز 300 درجة مئوية، مع ضمان تام لعدم تسرب أي مواد مشعة.
ووصل وعاء الضغط الخاص بالوحدة الأولى إلى ميناء الضبعة التخصصي في 21 أكتوبر 2025، بعد نقله من روسيا عبر سفن متخصصة، في عملية لوجستية معقدة استغرقت أسابيع، وتم خلالها تأمينه وفق أعلى معايير السلامة العالمية.
وستلعب محطة الضبعة دورًا حيويًا في تعزيز الشبكة الكهربائية المصرية من حيث القدرة الإنتاجية والاستقرار، بل وتصدير الفائض إلى دول الجوار.
ولقد شاهد العالم احتفال الرئيس المصري بتركيب أول وعاء ضغط للمفاعل الأول، والذي يعد إنجازًا حضاريًا كبيرًا، لتكون مصر أول دولة في المنطقة تدخل عصر النووي السلمي.
وهذه هي مصر… دائمًا الأولى في الفكر والتطوير لصالح المواطن المصري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *