المجاهده للفتن
المجاهده للفتن
بقلم / محمـــد الدكـــروري
يتصف العباد الذين يحبهم الله سبحانه وتعالى بالعديد من الصفات التي تميزهم عن غيرهم من العباد، ومن تلك الصفات هو الإكثار من التوبة والإنابة إلى الله سبحانه من أي ذنب أو زلل، وتكون التوبة الحق بالإخلاص لله سبحانه فيها، والندم على ما فات، والإقلاع عن الذنوب فور ارتكابها، والعزم على عدم العودة إليها، ولا بد أن تكون التوبة في الوقت الذي تقبل فيه فلا تصح عند طلوع الشمس من مغربها، أو عند حضور الأجل، كما لا بد من أداء الحقوق لأصحابها إن كانت الذنوب متعلقة بحقوق العباد، وكذلك أيضا هو اتباع سُنة النبي صلى الله عليه وسلم، والإنفاق في سبيل الله سبحانه طمعا في نيل الأجر والثواب منه.
وكذلك أيضا المجاهده للفتن من غض البصر عن المحرمات، فإن النظر يثمر في القلب خواطر سيئة رديئة ثم تتطور تلك الخواطر إلى فكرة ثم إلى شهوة ثم إلى إرادة فعزيمة ففعل للحرام، وتأمل في هذه الآية التي ربطت بين أول خطوات الحرام وآخرها، فيقول الله تعالى ” قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون” ويقول ابن كثير، هذا أمر الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم، عما حرم عليهم فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد، فليصرف بصره عنه سريعا.
وأيضا من مجاهدة الفتن هو مدافعة الخواطر، فإن الخاطرة السيئة في القلب خطر، ومتى انساق العبد معها ولم يدافعها تطورت إلى فكرة، فهمّ وإرادة، فعزيمة فإقدام وفعل للحرام، فحذار من الاسترسال مع الخطرة بل الواجب مدافعتها ومزاحمتها بالخواطر الطيبة، فإن محبة العبد لربه ليست بالدعاوى وإنما بالبينات وقد جعل الله لها علامات تدل عليها، فقال سبحانه وتعالي كما جاء في سورة آل عمران ” قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم” فهذه الآية تدل على أن علامة محبة العبد لله أن يكون متبعا لرسوله صلى الله عليه وسلم بفعل أوامره واجتناب نواهيه واتباع سنته، أما من ادعى أنه يحب الله تعالي.
وهو مخالف لرسوله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يصدق في دعواه، قال بعض السلف ” ادّعى قوم محبة الله فأنزل الله آية المحبة “قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني” ولكن قيل أن هناك موانع التي تحرم العبد من محبة الله -تعالى، ومنها هو الشدة في الخصام الباطل وهو أحد موانع محبة الله تعالى، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن أبغض الرجال إلي الله الألد الخصم” والألد الخصم هو دائم وشديد الخصومة في الباطل، وأيضا تناقض قول الشخص مع فعله، والإكثار من الكلام، وكثرة السؤال، وهو سواء سؤال مال، أو السؤال عن الأخبار ومعضلات، وإضاعة المال بالإسراف فيه أو بإنفاقه في الحرام ومراءاة الناس.
إذ إن الله تعالى يبغض المرائي ويجعل بغضه في قلوب الخلق فلا يستريح إليه ولا يحبه أحد فالأسلوب الصعب والفضاضة في الكلام وخشونة التعامل والتعالي على الخلق من المظاهر الدالة على بغض الله تعالى للعبد، وأيضا الابتعاد عن القرآن الكريم وهجره، والتهاون في فعل الفرائض وإضاعتها، والانشغال والغفلة عن ذكر الله تعالى، وحبس المال عن المحتاجين والفقراء، وتعبئة القلب وإشغاله بالمعاصي والذنوب والملاهي وغيرها من الأمور التي توجب غضب الله تعالى وسخطه، ومجالسة ومصاحبة أهل الفساد والمعاصي والغفلة، والتذمر والتضجر من المحن ومصائب الدنيا.