الدكروري يكتب عن المذهب الحنفي منذ نشأته
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن الإمام أبي حنيفة النعمان، وهو الذي قال عنه عبيدالله بن عمرو الرقي أنه كلم الأمير ابن هبيرة أبا حنيفة أن يتولى قضاء الكوفة، فأبى أى رفض عليه، فضربه مائة سوط وعشرة أسواط، وهو على الامتناع، فلما رأى ابن هبيرة ذلك خلى سبيله، وقال حماد بن أبي حنيفة لما مات أبي، سألنا الحسن بن عمارة أن يتولى غسله، ففعل، فلما غسله قال رحمك الله تعالى وغفر لك، لم تفطر منذ ثلاثين سنة، ولم تتوسد يمينك بالليل منذ أربعين سنة، وقد أتعبت من بعدك، وفضحت القرّاء، وتوفي أبو حنيفة النعمان سنة مائة وخمسين هجرية، وله من العمر سبعون سنة، وصلى الناس عليه ببغداد ست مرات لكثرة الزحام، وقبره هناك، فأما أبو يوسف تلميذ أبو حنيفة.
فقد كان أول من صنف الكتب في مذهب أبي حنيفة، فدوّن آراءه ورواياته، وذلك من خلال مصنفاته، ككتاب “الآثار” الذي رواه عن أبي حنيفة، وكتاب “اختلاف ابن أبي ليلى” الذي انتصر فيه لشيخه في خلافه مع ابن أبي ليلى، وكتاب “الرد على سير الأوزاعي” الذي انتصر فيه أيضا لمذهبه وشيخه، بالإضافة إلى ذلك فإن أبا يوسف تولى القضاء للعباسيين طيلة ست عشرة سنة، وأوكل إليه مهمة اختيار القضاة وتوليتهم في أرجاء الخلافة العباسية، وكان لا يولي في الغالب إلا حنفي المذهب، فكان لذلك أثر كبير في نشر فقه أبي حنيفة وأقواله في ربوع أرض الخلافة الإسلامية، وأما محمد بن الحسن الشيباني فهو راوية المذهب الحنفي، الذي نشر علم أبي حنيفة أيضا بتصانيفه الكثيرة.
حيث قام بتدوين الأصول الستة للمذهب الحنفي، أو ما يعرف بكتب ظاهر الراوية، والتي تعد المرجع الأول في فقه الحنفية، وهذه الكتب هي المبسوط الأصل، والزيادات، والجامع الصغير، والجامع الكبير، والسّير الصغير، والسّير الكبير، ويمكن تقسيم الأطوار والمراحل التي مر بها المذهب الحنفي منذ نشأته وحتى يومنا إلى ثلاث مراحل وهذه المرحلة تبدأ من عهد الإمام أبي حنيفة حتى وفاة الحسن بن زياد اللؤلؤي فى عام هائتان وأربعة من الهجرة وهو أحد كبار تلامذته ويعنى بتلك المرحلة مرحلة تأسيس المذهب وقيامه، ووضع أصوله، وإرساء قواعده، والتي على أساسها يتم استنباط الأحكام، وتخريج الفروع، وقد تم ذلك على يد الإمام نفسه.
وبإرشاد منه كما رجح ذلك الشيخ محمد أبو زهرة، مع مشاركة كبار تلامذته حيث كان لأبي حنيفة طريقة فريدة في التدريس تقوم على المحاورة والمناظرة في المسائل الفقهية حتى يستقر الرأي على حكم، وحينئذ يأمر أبا يوسف بتدوينه، ويقول الموفق المكي مبينا طريقة أبي حنيفة في تدريس أصحابه “فوضع أبو حنيفة مذهبه شورى بينهم، لم يستبد فيه بنفسه دونهم اجتهادا منه في الدين، ومبالغة في النصيحة لله ورسوله والمؤمنين، فكان يلقي مسألة مسألة، يقلبهم ويسمع ما عندهم، ويقول ما عنده، ويناظرهم شهرا أو أكثر من ذلك حتى يستقر أحد الأقوال فيها، ثم يثبتها القاضي أبو يوسف في الأصول، حتى أثبت الأصول كلها.