الرئيسيةمقالاتالنار حولنا ولا صدفة: مصر محاصَرة بنار مقصودة… قراءة تحليلية
مقالاتمنوعات

النار حولنا ولا صدفة: مصر محاصَرة بنار مقصودة… قراءة تحليلية

النار حولنا ولا صدفة: مصر محاصَرة بنار مقصودة… قراءة تحليلية

 بقلم / أيمن بحر

النار تستدير ببطء حول الأراضى المصرية — من الشمال إلى الجنوب ثم إلى الغرب — لا كحوادث منفصلة، بل كسلسلة مدروسة من الأزمات التي تستهدف استنزاف مصر وإضعاف دورها الإقليمي. كلما هدأت جبهة اشتعلت أخرى. هكذا تبدو الخريطة: هدوء مؤقت فى شمال الحدود (غزة)، ثم تصاعد في الجنوب (السودان)، وبعدها إشعال في الغرب (ليبيا).

لماذا لا يمكن وصف ما يحدث بالصدفة؟

الأحداث المتتالية والتحركات الإقليمية التي تحيط بمصر لا تبدو معزولة بل مترابطة في مآربها. الهدف، كما يراه محلّلون كثيرون، ليس مجرد نزاع محلي هنا أو هناك، بل إرهاق الدولة ومواجهتها بأزمات متوالية تُستنزف فيها القدرات المادية والمعنوية. المؤامرة نفسها — وإن تغيّرت أدواتها — تتكرر عبر الأزمنة ضد قادة حاولوا بناء مصر قوية ومستقلة.

عبر التاريخ: نماذج لمقاومة مشاريع الاستنزاف

عندما نعود للذاكرة نجد حالات مشابهة متكررة مع قادة ساعوا لبناء دولة مصرية قوية:

محمد علي باشا الذى بنى جيشًا وصناعة ومحاولات توسّع جعلت مصر قوة إقليمية، لكن توسعاته أوقفت بمعاهدة لندن (1840) التي قيّدت آفاق مشروعه. 

جمال عبد الناصر الذي قاد مشروع استقلال سياسي واقتصادي (تأميم قناة السويس السد العالي، نهضة صناعية)، فتعرض لضغوط واعتداءات دولية من بينها العدوان الثلاثي عام 1956، وصولًا إلى نكسة 1967 التي كبّدت الجيش والمشروع ضربة قاسية. 

في كل مرة، تبيّن نمط واحد: محاولات بناء قوة وطنية مستقلة تُقابل بمحاولات استنزاف أو عرقلة خارجية — سواء بالتحالفات العسكرية أو الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية.

الوضع الراهن: لعبة استنزاف متجددة

الفرق اليوم أن مصر قرأت التاريخ جيدًا وتعلمت من دروسه. القيادة الحالية اتخذت مسارات دقيقة: حفاظ على الهدوء عندما يتطلب الأمر، وتحصين للمقدّرات الوطنية اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً عندما تتطلب المصلحة ذلك. السياسة الآن أقل اندفاعًا وأكثر حسابًا؛ فلا دخول في حروب استنزاف غير محسوبة، بل عمل على تأمين الثروات (ترسيم حدود بحرية، تأمين موارد الغاز)، وتحديث التسليح وبناء قواعد وقدرات ردع.

لماذا ينجح هذا الأسلوب الآن؟

لأن القدرة على الصمود لا تُقاس بالشجاعة العاطفية فقط، بل بالتخطيط الاستراتيجي:

تحويل نقاط الضعف إلى نقاط قوة (تنمية سيناء، تأمين الحدود، قواعد لوجستية).

تنويع مصادر القوة الاقتصادية وتأمين احتياطيات الطاقة.

تحديث القدرات العسكرية نوعيًا لتكون رادعًا وليس مجرد عرض قوة.

الخلاصة

ما يحدث حول مصر — من غزة إلى السودان إلى ليبيا — ليس سلسلة حوادث عشوائية؛ هي محاولات متكررة لاستنزاف الدولة، لكنها تواجه اليوم قيادة وشعبًا واعيًا. الزمن الذي كنا نندفع فيه وراء الشعارات بلا حساب انتهى. الآن الحسابات أكبر، والقرار أكثر تحفظًا وحنكة.

مصر لا تقف مكتوفة اليدين؛ هي تتعامل مع النيران حولها بحكمة وصبر، وتحوّل طاولات الاستنزاف إلى ميدان للمبادرة. حفظ الله مصر قيادةً وشعبًا وجيشًها العظيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *