الرئيسيةمقالاتامرأة في حياتي
مقالات

امرأة في حياتي

امرأة في حياتي

امرأة في حياتي

الفصل السادس: العائلة

بقلم: فايل المطاعني

في صالة الاستقبال، كانت تلمع امرأة أنيقة جدًا، متوسطة الطول، بشرتها تتوهج كأشعة الشمس في ساعة زوالها، تفوح منها رائحة Chanel de Moussalle الهادئة، كأنها تعلن عن حياة مترفة وذوق رفيع. ترافقها امرأة مسنّة في العقد السادس من العمر، خطواتها بطيئة لكنها مهيبة، وجهها مليء بالتجاعيد التي تحكي عمرًا من الحب والقلق.

تسألان عن حميد بن عوض، وأخبِرتا أن الغرفة رقم 235 في الطابق الثاني.

كان الدكتور هاني يسمع طرقًا خفيفًا بالكاد يُسمع، ففتح الباب قائلاً:

الدكتور هاني: تفضلوا.

الضيوف: السلام عليكم.

الدكتور هاني: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

انهالت المرأة المسنّة بالبكاء، دموعها تنساب بلا توقف، وهي تشكر الله على سلامة ابنها الوحيد. كان حميد ملقى على السرير، عاجزًا عن الرد، وكأن الزمن توقف عنده، لكنه عندما رأى والدته، ارتسمت ابتسامة عابرة على وجهه، ونظر إليها بإعجاب وشوق لم يتمالكه.

جلست زوجته زينب أمامه، قلبها مثقل بالحيرة والوجع، لا تعرف ماذا تفعل، فزوجها، حبيبها، بلا حول ولا قوة، والمصيبة أنه لا يتعرف عليها. لم تفارقها النظرة الحائرة، محاولة فهم ما يحدث له، وهو يظل في عالمه الخاص، بين ماضيه وحاضره الذي رفضه.

قطعت صمت الغرفة حضور الدكتور مصطفى، صوته هادئ لكنه حازم:

الدكتور مصطفى: لو سمحتي يا مدام…

زينب: اسمي زينب، وأنا زوجة حميد.

الدكتور مصطفى: ممكن تفضلي معي إلى المكتب؟ سأترك والدته مع ابنها قليلًا، عندي بعض الأسئلة وأحتاج إجابات صادقة.

في مكتب الطبيب، جلس الصمت ثقيلًا قبل أن يبدأ الحديث:

الدكتور مصطفى: لو سمحتي يا مدام زينب، الكابتن حميد يعاني من ارتداد للماضي مع رفض للحاضر. أريد أن أعرف قليلًا عن حياته.

زينب (بصوت متقطع): ارتداد للماضي؟ ماذا يعني ذلك يا دكتور؟

الدكتور مصطفى: يعني أنه يختار العيش في الماضي، يتشبث بذكرياته، ويرفض مواجهة المستقبل.

امتلأت عينا زينب بالدموع، صوتها يرتجف:

زينب: وماذا تريد أن تعرف عن الماضي؟

الدكتور مصطفى: أولًا، من هو راشد علي؟ هل هو صديق له أم أحد أقاربه؟

زينب: الحقيقة أن حميد لا يملك أصدقاء…

الدكتور مصطفى (مندهشًا): كيف؟ مستحيل! شخص مثل الكابتن حميد بلا أصدقاء؟ ما السبب؟

زينب (تتنهد بحزن): كان لديه الكثير من الأصدقاء، بطبعه اجتماعي ومحبوب… لكن بعد زواجنا…

الدكتور مصطفى (مقاطعة): اتزوجتم؟ هذا ما سمعت من السيستر نادية أمس.

زينب: نعم، تزوجنا، وأنا منعته من أصدقائه. الوقت الذي يقضيه خارج البيت يجب أن يكون معنا، خصوصًا مع أولادنا، لنربيهم ونحميهم من ضياع الزمن.

الدكتور مصطفى: وصديقه الذي اسمه راشد، من هو؟

زينب: لا أعتقد أن هناك من يحمل هذا الاسم.

الدكتور مصطفى: إذًا من أين جاء بهذا الاسم؟

قاطعتها زينب، وكأنها فجأة تذكرت شيئًا مهمًا:

زينب: نسيت أن أخبرك، حميد يحب الكتابة، يكتب طوال الوقت. إذا لم يكن في رحلة سفر، يبقى في البيت يكتب بلا توقف. هذه هي حياته… حروف وكلمات، عزلة وصمت.

الدكتور مصطفى: وعلاقته بأهله؟

زينب: مقطوعة، لا يتواصل كثيرًا، وبصراحة أنا منعته من زيارة أهله، ما عدا والدته…

الدكتور مصطفى: ولماذا يا ست زينب؟

زينب (بصوت واثق): إخوانه معظمهم متزوجون، وعائلاتهم مشغولة بحياتهم. وأنا أخاف عليه… أخاف أن يضيع بين الزمن وأشباح الماضي.

قاطعه الدكتور هاني:

الدكتور هاني: وتحرمينه من زيارة أهله؟ هذا…

زينب (مقاطعة بحزم): سأفعل المستحيل من أجله… من أجله وحده.

امرأة في حياتي

امرأة في حياتي

الفصل السادس: العائلة

بقلم: فايل المطاعني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *