الرئيسيةمقالاتامرأة في حياتي
مقالات

امرأة في حياتي

امرأة في حياتي 

بقلم . فايل المطاعني 

 الفصل السابع

قالت زينب بصوت يختلط فيه العتاب بالرجاء وهي تخاطب الدكتور هاني:

– ما تعرف ماذا يعني حميد بالنسبة لي؟ حميد هو الهواء الذي أتنفّسه، هو حياتي، ولا أملك استعدادًا أن أتنازل عنه لأي أحد.

ابتسم الدكتور هاني ابتسامة غامضة ثم قال:

– طيب، أنا بس عايز أفهم… مين “راشد” ده؟

إذا إنتِ مانعة عنه الميّة والكهربا، ومش مخليه حتى يتنفس بحرية، ومانعة زيارته لأخواته… يبقى راشد ده مين؟

ترددت زينب قليلًا قبل أن تجيب:

– والله ما أدري، لكن جبت معاي مجموعة من قصصه اللي كان يكتبها. يوم سمعت إنه منوم في المستشفى، قلت يمكن تلاقوا فيها ما يفيدكم.

(ثم استأذنت بخطوات سريعة) لحظة يا دكتور، بروح السيارة وأجيبها.

خرجت، بينما كانت والدة حميد جالسة بجوار ولدها، تضمّه إلى صدرها، تقبّله وتمسح بيدها على شعره. وفي تلك اللحظة دخلت نادية بخطوات هادئة.

الأم بفرح:

– أهلًا بنتي… كيف حالك؟

نادية بابتسامة دافئة:

– الحمد لله بخير… ومن حضرتك؟

الأم:

– أنا أمّه… وهذا ولدي الوحيد.

نادية:

– تشرفت، أنا الممرضة المشرفة على علاجه مع الدكتور هاني.

الأم وقد امتلأت عيناها دموعًا:

– مشكورة يا بنتي، جزاكِ الله خير. شكله متعافي من علاجكم… الحمد لله إنّي شفته حي قدامي.

وانهارت تبكي.

سارعت نادية لتواسيها، ناولتها منديلاً وكأس ماء بارد، وقالت بلطف:

– تفضلي يا خالتي… واطمئني، ابنك في أيادٍ أمينة.

تدخل حميد مبتسمًا رغم ضعفه:

– أمينة… ولا نادية؟

ضحكت نادية بخجل وهي ترد:

– اللي تشوفه… أهم شيء صحتك.

الأم تنظر إلى نادية بإعجاب عميق:

– ما شاء الله عليكِ يا بنتي… تدخلي القلب بلا استئذان، وكلامك يريح الروح. ربي يخليك لأهلك.

تأملت نادية وجهها وكأنها ترى أمها أمامها، وشعرت بدفء غريب في قلبها. جلست بجوارها والوقت يمر دون أن تشعر.

في مكتب الأطباء، جلس الدكتور هاني يقلّب أوراقًا مطبوعة عنوانها “مجموعة قصصية” كتبها حميد.

قال وهو يرفع رأسه إلى زينب:

– مدام زينب، بتحبي القصص اللي بيكتبها جوزك؟ بتشجعيه يعني؟

زينب وقد ارتبكت:

– بصراحة… في الأول لا. كنت أحسبها مجرد خربشات، لأنه ما عنده أصدقاء، وكان يفرغ نفسه بالكتابة. لكن بعدين، لما قريتها بتمعّن، حسيت إنه فعلاً عنده موهبة، ومن يومها بدأت أشجعه.

تدخل الدكتور مصطفى فجأة، وعلى ملامحه بريق غضب:

– بعد إيه يا مدام زينب؟!

(يسكت قليلًا، ثم يرسم دائرة حمراء حول إحدى العبارات في الأوراق. يلتفت إلى هاني بنبرة حاسمة)

– أظن عرفنا سر اسم “راشد” اللي بيكرره حميد.

ثم تقدّم نحو زينب وهو يقول:

– وجدتها! إزاي غابت عن بالي؟

وفي غرفة المريض، كانت أم حميد تراقب نادية بإعجاب هامسة لابنها:

– ما شاء الله عليها… تنحط على الجرح يطيب. بنت أصل وفصل.

في تلك اللحظة دخلت زينب وقد سمعت جزءًا من حديث حماتها، فقالت بنبرة تحمل غيرة وغضبًا دفينًا:

– عندي رقم تليفونها إذا حبيتي تكلميها يا “عموه”.

قالتها بحدة، وكأنها تبعث برسالة إلى نفسها: يجب أن أحافظ على زوجي أكثر… الخوف مش من نساء برّه، الخوف من أمه اللي أبدًا ما راح يعجبها أسلوبي مع ابنها.

وأضافت بخبث:

– في المرة الجاية ما بآخذك معاي. شو تسوي في المستشفى غير الصراخ وتصدعين رؤوس الأطباء؟

مرّ أسبوع على دخول حميد المستشفى. بدأ يتعافى تدريجيًا، وعاد للكتابة. ومع العلاج واهتمام نادية، صارت حالته تتحسّن يومًا بعد يوم.

لكن قلب نادية كان يخفق كلما اتجهت نحو الغرفة (235).

وذات يوم، عادت من إجازة قصيرة، وأول ما فعلته أنها دخلت غرفته. هناك لمحَت مزهرية ذات نقوش فرعونية، مكتوب على قاعدتها اسم بالهيروغليفية.

نادية بدهشة:

– الله! جميلة المزهرية… والأجمل الورد اللي فيها.

ابتسم حميد واقفًا وكأنه يودّعها، وقال:

– هذي هدية بسيطة… زهرة اللوتس. ومكتوب على القاعدة اسمك “نادية”.

ارتبكت نادية وقد احمرّ وجهها:

– اسمي بالهيروغليفية؟! ومن قال لك إني أحب الزهور؟

ضحك حميد وهو يجيب:

– ما تدرين إني أقرأ أفكارك؟

نادية متفاجئة:

– يمّه!

ضحك حميد أكثر:

– طبعًا، ما درسنا عبث.

فأطرق الحياء وجه نادية، وقالت وهي تحاول أن تخفي ابتسامتها:

– أشكرك.

ثم خرجت مسرعة، وقلبها يخفق بقوة غير مفهومة.

تمتمت في نفسها:

– يا ترى… كيف عرف إني أحب الورد؟ وليش كتب اسمي عليه؟ مستحيل… هو رجل عاقل ورزين… وزوجته ما شاء الله عليها…

ثم صمتت لحظة، وألقت نظرة على شعرها من تحت الغطاء، وقالت بخفة ظل:

– طبعًا مش أجمل مني.

وضحكت، لكن قلبها ظل يرتجف.

امرأة في حياتي 

بقلم . فايل المطاعني 

 الفصل السابع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *