Uncategorized

بر الوالدين: تكريم بلا موعد

محمود سعيدبرغش

في عالمٍ أصبح مليئًا بالمناسبات التي تكرّم مختلف الفئات والمهن، يظل الأب والأم يستحقان التكريم في كل لحظة، وليس فقط في يومٍ محدد يُسمّى “عيد الأم” أو “عيد الأب”. فالإسلام جعل بر الوالدين عبادةً مستمرةً لا تنتهي بزمانٍ أو مكان، وأكد على ذلك في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية.

 

بر الوالدين في القرآن الكريم

 

جاءت أوامر الله واضحةً في وجوب الإحسان إلى الوالدين، مقرونةً بتوحيده، مما يدل على عظيم منزلتهما. قال الله تعالى:

﴿وَقَضىٰ رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا ۝ وَاخفِض لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ وَقُل رَبِّ ارحَمهُما كَما رَبَّيانِي صَغيرًا﴾ (الإسراء: 23-24).

 

هذه الآيات تؤكد على ضرورة معاملة الوالدين باللين والاحترام، خصوصًا عند الكِبَر، حيث يزداد احتياجهما إلى العناية والرحمة.

 

بر الوالدين في السنة النبوية

 

لم يترك النبي ﷺ الأمر دون توضيح، بل جعل بر الوالدين من أعظم الأعمال عند الله. فقد سُئل رسول الله ﷺ:

“أيُّ الأعمالِ أَحَبُّ إلى اللهِ؟ قالَ: الصَّلاةُ علَى وقتِها، قيلَ: ثمَّ أيٌّ؟ قالَ: برُّ الوالدينِ، قيلَ: ثمَّ أيٌّ؟ قالَ: الجِهادُ في سبيلِ اللهِ” (متفق عليه).

 

بل إن العقوق من الكبائر التي تستوجب العقاب في الدنيا والآخرة، حيث قال النبي ﷺ: “ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين” (متفق عليه).

 

لماذا ليس للوالدين يومٌ واحد للتكريم؟

 

في الإسلام، لا يحتاج الوالدان إلى “عيد” ليتم تذكرهما، بل يُفرض على الأبناء برهما كل يوم. فالأب والأم هما السبب بعد الله في وجود الأبناء، وقد بذلا الغالي والنفيس في تربيتهم، فلا يكفي أن يُقدَّم لهما هدية في يومٍ واحد، بينما يُهملان باقي الأيام.

 

كيف يكون بر الوالدين؟

 

بر الوالدين ليس مجرد كلمات أو هدايا، بل يشمل:

 

1. الكلام الطيب والتعامل الحسن: فلا يُرفع الصوت عليهما، ولا يُقال لهما كلمة تؤذي مشاعرهما.

 

2. الخدمة والرعاية: خصوصًا في كبرهما، حيث يحتاجان إلى اهتمام أكبر.

 

3. الدعاء لهما: قال الله تعالى: “وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًۭا” (الإسراء: 24).

 

4. تلبية طلباتهما ورغباتهما: ما لم يكن فيها معصية لله.

 

5. صلة الرحم بعد وفاتهما: بزيارة أقاربهما، وتنفيذ وصاياهما، والتصدق عنهما.

 

الخاتمة

 

بر الوالدين هو بابٌ واسعٌ من الخير، وليس مناسبة تُحدد بتاريخٍ معين. فكما تعب الأبوان في تربية الأبناء طوال حياتهما، يستحقان أن يكون البر بهما أسلوب حياة، وليس مجرد احتفال ليومٍ واحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى