بغداد تكظم صمتا باحزانها
القصيدة على موقع النور
جاسم العبيدي
( 1 )
لبغداد وجه السلام , ووجه البكاء , وللبصرة الحزن بين المراسي وبين الشواطيء يسحلها الغرباء , رماد الخديعة والنار , وجه الصبيات يغرق اهدابها , ليل المواويل , دربكة الهيوة والسود , خشابة الفرح الاصلاء والالق المتوقد فوق جذوع النخيل تحمل اعناقها للسعيفات تلهو بها الريح , تملا منه سلال العناقيد ,عذوق النخيل , التميرات تجمعها النسوة الضالعات باحزانهن , يكبسنها في الخصاصيف مثل ارواحهن , يحملها للمراكب عمالها لتمخر فيهم عباب الخليج , صوت الخلاخيل
(هيه ياهيه .
هيه ياهيه ..يامال .. يامال .. هيه ياهيه)
رقصات المواويل في اخر الليل
علمني جسدي ان اذوق الحلاوة في تمرها والعناء
وللبصرة الفيض والغيض , اعاشر نسوتها , احتسي خمرهن , ببياض الدشاديش تنهض من كبوة
•-
دعي جسدي يتالق , تلك المراسي بانتظار المراكب والعابرين من الضفة المستقرة في جانب النهر
اسمع صوت بكاء تدفق من جسر حمدان مستعرا , همس سعدي يمازج حزن وفيقة , ليل يطول , وبغداد وجه يطل على موجها ينهض من بين اضلعها , صبية يحملون هموم المساءات اقدامهم تعبر الليل سارحة بانتظار الهوى والجنون .
( 2 )
لبغداد وجه الانين , دم يتصبب بين الفراغات , وجه يقاتل في كل عام ,يرتق ابراجها ويطرد من يبتغي خنقها , خيبة بغداد تطرد منصورها ويفر الجناة , حكامها جيف تتصارع فوق الكراسي باحزانها يلعب الخاسرون .
(لم تعد تلك ايامها وبغداد تكظم صمتا باحزانها وما قد تلاقي )
كل عام لها ثورة ضد حكامها البائسين
( هكذا علمتنا السنون بان دجلة يفرز ادرانها
والفرات يجرف احزانها تحت وجه الدخان )
ايه بغداد لن يهدأ الليل في قلبها , ولن تبرد النار حتى تفك القيود واسراراها
(اخترق الحزن اعماقها , ظل وجه المدينة ينفث آلامه )
اسمعوا ايها النائمون , تحت هذا الثرى وردة ارهقها الصمت فانبثقت تفتح الباب للعاشقين .
ليل السكارى ببغداد , خلوات اصحابها ,وابا نؤاس يجمع عشاقه يأوي الى ضفة النهر مسترخيا , كاسه بات فارغة والليالي ظلام .
كل وجه علامه وهن
كل صمت رفيف اجنحة للفراشات , لليعاسيب اوكارها في ظلال المجاديف بالنهر , لم تعد هدأة الليل ديدنها . اخترق العهر احلامها بالانين .
(هيه ياهيه .
هيه ياهيه ..يامال .. يامال .. هيه ياهيه)
( 3 )
بغداد صارية للمراكب تشنقها الريح , افزع الموت اطفالها , احترق الزمن المستظل بافيائها , واعلن موعده للرحيل
كل صرخة طفل رسالة
كل دمعة عين مقال
كل وجه تخضب بالدم بعث جديد
وتبقى اللقاءات محشوة بالنزيف , نفضت عن وجهها الغيض وانهمرت مطرا مستفيض
( 4 )
في البصرة
التم سعف النخيل , تهاوى الى النار, اشعل تنورها والرغيف , رمم السعف اكواخها
بالانين ,مسح الليل حزن المساءات , صوت الأنين , ودع الرب أحياءها
توقف عمر المدينة , أودعت سحنتها في المصابيح حتى جفت , أطفأت ضوئها وارتدت عري أبنائها المتعبين .
في الحسن البصري نام أبناؤها , أوقدت شمعة للرحيل , وبكت عزها في الأصيل
ناح ذاك الحمام على كل أبراجها واتت بغداد فارعة تستغيث
( 5 )
بغداد قبل الربيع
جارية اغرق الحزن اوصالها
بغداد بعد الربيع
جاثية على قدميها الرياح
بغداد تطلق صيحتها
فض بكارتها الغرباء
ثوبها ابيض مزقته الرياح
جسد يتلوى على وجع يستريح
وأسوارها تعلن المستحيل
( 6 )
البصرة انتفضت لعشاقها
نزلت للبحر تحرس سيابها
هدأالبحر في بوحها
انتفضت مراكبها للرحيل
(هيه ياهيه .
هيه ياهيه ..يامال .. يامال .. هيه ياهيه)
اعلنت صيحة للرحيل
بغداد تكظم صمتا باحزانها
