الرئيسيةأخبار العالمبوتين يشعل حرب الغاز: نافتوغاز الأوكرانية بين النار والشتاء
أخبار العالم

بوتين يشعل حرب الغاز: نافتوغاز الأوكرانية بين النار والشتاء

بوتين يشعل حرب الغاز: نافتوغاز الأوكرانية بين النار والشتاء
بقلم الجيوفيزيقي محمد عربي نصار

مقدمة المشهد: حرب جديدة تحت الأرض

في فجرٍ بارد من ليالي سبتمبر، اهتزّت خريطة أوكرانيا على وقع أعنف هجوم روسي منذ بداية الحرب، لم تكن هذه المرة على الجبهات العسكرية أو المدن الحدودية، بل على قلب الطاقة الأوكرانية — شركة “نافتوغاز” — التي تمثل العمود الفقري لإنتاج وتوزيع الغاز في البلاد.
الهجوم لم يكن عابرًا، بل كان ضربة استراتيجية محكمة، أراد بها الكرملين توجيه رسالة صريحة: الحرب لم تعد تُخاض بالرصاص فقط، بل أيضًا بأنابيب الغاز وصمامات الطاقة.

تفاصيل الهجوم: أكبر عملية منذ اندلاع الحرب

وفقًا لما نشرته صحيفة The Ukrainian Review على منصة X، نفّذت روسيا أكبر هجوم على بنية إنتاج الغاز الأوكرانية منذ اندلاع الحرب.
تقرير الصحيفة نقل عن شركة “نافتوغاز” تأكيدها أن عددًا كبيرًا من المنشآت تضرر بشكل بالغ، بعضها تدمّر بالكامل.

أما وكالة Accion de Impacto Global الإسبانية، فكشفت تفاصيل أكثر دقّة:

“الليلة الماضية، أطلقت روسيا 381 طائرة مسيّرة و35 صاروخًا استهدفت منشآت الغاز الطبيعي التابعة لنافتوغاز في مدن بولتافا، خاركيف، وخيرسون شمال شرق أوكرانيا”.

التقارير وصفت الهجوم بأنه الأعنف والأوسع منذ بداية الصراع، مُشيرة إلى أن الضربات تزامنت مع اقتراب فصل الشتاء، ما يجعلها أشدّ قسوة على المدنيين.

الرسالة الروسية: معركة الاقتصاد قبل المدافع

لم يكن الهدف فقط تدمير المنشآت، بل شلّ الاقتصاد الأوكراني وضرب شريان الحياة الذي يغذّي مصانع الدولة ومنازلها بالغاز والطاقة.
فمنذ أشهر، شنت كييف سلسلة هجمات على مصافي النفط الروسية في فولغوغراد وساراتوف وتيفير ورياضان، محققة أضرارًا في البنية التحتية للطاقة الروسية.
وجاء رد موسكو قاسيًا — أشبه بضربة انتقامية محسوبة — لتحرق ما تعتبره “أوراق الضغط الأوكرانية”.

الهجوم لم يكن عسكريًا بحتًا، بل اقتصاديًا بامتياز، فبوتين أراد أن يقول للغرب:

“من يعبث بأنابيب النفط الروسية، سيختنق بأنابيب الغاز في كييف”.

الأبعاد الاقتصادية: حرب الطاقة بدل حرب السلاح

تُعدّ شركة نافتوغاز أهم كيان اقتصادي في أوكرانيا، إذ تغطي أكثر من 70٪ من احتياجات البلاد من الغاز الطبيعي، وتمثل مصدرًا رئيسيًا لعائدات الحكومة.
الضربة الروسية أوقفت، بحسب تقارير أولية، نحو 20٪ من إنتاج الغاز المحلي، ما يعني ارتفاع الأسعار، وانقطاع الإمدادات، وتراجع القدرة على تمويل الحرب.

وقد حذّر خبراء الطاقة من أن أوكرانيا قد تُضطر هذا الشتاء إلى الاعتماد على الغاز الأوروبي بأسعار مرتفعة، في وقت تواجه فيه أوروبا نفسها أزمة طاقة خانقة.
وبذلك تتحول الحرب من معركة حدودية إلى صراع طاقوي عالمي يهدد استقرار القارة بأكملها.

الردود الدولية: القلق الغربي والتنديد الأمريكي

الولايات المتحدة سارعت إلى إدانة الهجوم، معتبرةً أنه تصعيد متعمّد ضد المدنيين، خصوصًا مع استهداف منشآت حيوية في موسم ما قبل الشتاء.
كما أعلنت واشنطن أنها ستزوّد أوكرانيا بمزيد من المعلومات الاستخباراتية الدقيقة لمساعدة كييف على تحديد مواقع البنية التحتية الروسية وضربها بشكل أكثر فاعلية.

أما الاتحاد الأوروبي، فقد وصف الهجوم بأنه “حرب طاقة شاملة”، مؤكداً أن موسكو تستخدم الغاز والنفط كسلاح سياسي جديد ضد الغرب.
لكن خلف هذه التصريحات، يبرز خوف أوروبي خفي من انقطاع إمدادات الطاقة عبر أوكرانيا، ما قد يفاقم أزمة الشتاء القادمة.

بين موسكو وكييف: توازن الرعب الطاقوي

بوتين، الذي خاض حرب الغاز في وجه أوروبا عام 2022، يدرك تماماً أن السيطرة على الطاقة تعني السيطرة على القرار السياسي.
لذلك جاءت ضربته الأخيرة لتعيد رسم خطوط النفوذ:
فمن يملك الطاقة، يملك القرار.

وفي المقابل، لن تقف كييف مكتوفة الأيدي؛ إذ أعلنت نيتها الرد بهجمات مماثلة على مصافي النفط الروسية باستخدام مسيرات بعيدة المدى، ما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الحرب — حرب الطاقة بالمسيرات والرماد.

المشهد القادم: شتاء من نار وغاز

تزامن هذا التصعيد مع اقتراب الشتاء، في وقت تُظهر فيه التقارير أن ملايين الأوكرانيين قد يفقدون التدفئة.
الضربات الروسية لم تستهدف الجيوش، بل استهدفت أنابيب الدفء في البيوت، ما يجعل الحرب أكثر قسوة وإنسانية في ظاهرها، لكنها سياسية في جوهرها.

ومع احتدام “حرب الأنابيب”، يتجه العالم إلى موسم جيوسياسي متفجر:
– روسيا تحاول فرض معادلة “من يتحكم بالطاقة يتحكم بالقرار”،
– وأوكرانيا تراهن على الدعم الغربي للبقاء في دائرة الضوء.
وبين هذين القطبين، يقف العالم مترقبًا صراعاً قد يمتد من كييف إلى قلب أوروبا.

الخاتمة: عندما تتحول الطاقة إلى سلاح

ما يحدث اليوم ليس مجرد قصف لمنشآت أو حرائق في مصانع الغاز، بل تحول جذري في طبيعة الحروب الحديثة، حيث يُستبدل صوت المدافع بأزيز الطائرات المسيّرة التي تستهدف مصادر الحياة نفسها.
بوتين لا يحارب فقط على الجبهة، بل في الأسواق والأنابيب وموازين القوى العالمية.
إنها حرب الطاقة الكبرى — حرب تُخاض بالنفط والغاز، وتُقاس مكاسبها ليس بعدد القتلى، بل بعدد الدرجات التي ستهبط في بيوت أوروبا هذا الشتاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *