تجربة حياة
كتب / أبو سعود المطاعني
سارق الفرح
في الحياة لحظات لا تُقاس بالزمن، بل تُقاس بما تركته فينا من أثر…
لحظات تمر، فتنقش على القلب وشمًا من حنين، ونسمة فرح عابرة، وربما دمعة خرساء لا تجد طريقها للخروج.
أنا رجل من أولئك الذين لا يكتبون عن الفرح كثيرًا، لأن الفرح عندي مثل طائر بري… كلما اقتربتُ منه، طار.
لكنني لا أستسلم… أطارده بخفة الكلمات، وأجمع فتاته من ذاكرة لا تشيخ.
يقولون إن الأماكن لا تنسى من مرّوا بها… وأنا أصدق هذا القول كلما مررت من أمام زوايا عمر مضى، فتشم ذاكرتي رائحة الخبز القديم، وضحكات كانت تملأ المكان كأنها لم ترحل أبدًا.
أنا من أولئك الحمقى الجميلين الذين يحبون الذكريات، ويتعثرون بها في كل شارع وركن… لأن الذكريات -مهما بدت مؤلمة- تظل أفخم ما تركه لنا الغائبون دون وصية.
كانت أجمل أيامي مع والدي، ومع عائلتي الصغيرة التي سرقها الموت بسرعة تشبه اختفاء الضوء بعد العاصفة… فلم أعد أملك غير فتات الحنين، وبعض الصور التي لا تردّ غائبًا ولا تصنع عرسًا.
ومن يومها… بدأت أسرق الفرح.
نعم، أنا سارق فرح محترف…
أسرق ضحكة من أغنية، فرحة من فنجان قهوة، بسمة من وجه طفل لا يعرف معنى الفقد، وأهرب بها قبل أن تداهمني لحظة حزن غير متوقعة.
أنا سارق الفرح لأن الحياة سرقت فرحي أولاً…
لكنني أقاوم، أضحك أحيانًا أكثر مما ينبغي، كنوع من التمويه.
فمن يدري؟
قد تعتقد الحياة أنني بخير… وتنسى أن تحزنني مجددًا.
ربما لم أكن يومًا مهرجًا في سيرك الحياة، لكنني تعلمت كيف أضحك بصوت مكسور دون أن يسمعه أحد…
تعلمت كيف أسرق لحظة فرح، وأخبّئها تحت الوسادة، وأغفو مبتسمًا كمن حقق نصرًا صغيرًا على القدر.
أنا لست حزينًا كما أبدو… فقط أعيش بحذر، كي لا يسقط الفرح مرة أخرى من جيبي.
أنا سارق الفرح…
وأحب هذه التهمة، لأنها تمنحني سببًا آخر للبقاء.
تجربة حياة
كتب / أبو سعود المطاعني
سارق الفرح