تحسبوه هينا وهو عند الله عظيم
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الثلاثاء الموافق 15 أكتوبر 2024
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، الحمد لله ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شاء ربنا من شيء بعد، الحمد لله الذي جعلنا من عباده المسلمين، الحمد لله الذي جعلنا من عباده المصلين، نسأل الله أن يثبتنا على ذلك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وعلى آله وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد إن الحديث عن أخبار السلف الصالح هو حديث شيّق يجذب النفوس وترق له القلوب وفيه عبرة لمن يعتبر، فقد يتقاصر الإنسان أمام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ويقول إن هؤلاء أيدهم الله تعالي بالوحي، لكن هؤلاء السلف الصالح ممن نذكر أخبارهم لم يكن الوحي ينزل عليهم، ولم يروا النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هم ممن جاءوا بعده وقد صدق ابن القيم حيث قال.
وقد جرت عادة الله التي لا تتبدل وسنته التي لا تتحول أن يُلبس المخلص من المهابة والنور والمحبة في قلوب الخلق وإقبال قلوبهم إليه ما هو بحسب إخلاصه ونيته ومعاملته لربه ويلبس المرائي ثوبي الزور من المقت والمهانة والبغض وما هو اللائق به، فقيل أنه كان عبد الرحمن بن أبي ليلى يصلي في بيته فإذا شعر بأحد قطع صلاة النافلة ونام على فراشه كأنه نائم فيدخل عليه الداخل ويقول هذا لا يفتر من النوم؟ غالب وقته على فراشه نائم؟ وما علموا أنه يصلي ويخفي ذلك عليهم، وقيل أنه جاء رجل يقال له حمزة بن دهقان لبشر الحافي العابد الزاهد المعروف، فقال أحب أن أخلوا معك يوما، فقال لا بأس تحدد يوما لذلك، يقول فدخلت عليه يوما دون أن يشعر فرأيته قد دخل قبة.
فصلى فيها أربع ركعات لا أحسن أن أصلي مثلها فسمعته يقول في سجوده” اللهم إنك تعلم فوق عرشك أن الذل ويقصد بالذل عدم الشهرة، أحب إلي من الشرف، اللهم إنك تعلم فوق عرشك أن الفقر أحب إليّ من الغنى، اللهم إنك تعلم فوق عرشك أني لا أُوثر على حبك شيئا” يقول فلما سمعته أخذني الشهيق والبكاء، فقال “اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن هذا هنا لم أتكلم” وقال الأعمش كنت عند إبراهيم النخعي وهو يقرأ في المصحف، فإستأذن عليه رجل فغطى المصحف وقال لا يراني هذا أني أقرأ فيه كل ساعة، وهذه وصية النبي المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم بين أيدينا فيقول “أكثروا من ذكر هادم اللذات، فما ذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه، ولا سعة إلا ضيقها” فإنه كلام مختصر وجيز، من النبي العدنان صلى الله عليه وسلم.
وقد جمع التذكرة وأبلغ في الموعظة، وقد قيل من أكثر ذكر الموت أكرم بثلاثة، تعجيل التوبة وقناعة القلب ونشاط العبادة، ومن نسي الموت عوجل بثلاثة، تسويف التوبة وترك الرضا بالكفاف والتكاسل بالعبادة، واعلموا أن تذكّر الموت لا يعني كثرة الحزن وطول النحيب مع الإقامة على التفريط، إن تذكرنا للموت يجب أن يقترن بخوفنا من سوء الخاتمة، والأعمال بالخواتيم كما في حديث ابن مسعود المتفق عليه يقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم “فو الله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها” فقيل أنه لما حضرت محمد بن المنكدر الوفاة بكى، قيل له ما يبكيك؟ قال والله ما أبكي لذنب أعلم أني أتيته، ولكن أخاف أني أتيت شيئا حسبته هينا وهو عند الله عظيم.
تحسبوه هينا وهو عند الله عظيم