ثرواتنا الضائعة. بقلم أ / على محمد جمال
من نكد الدنيا علينا ان الفرد ليس له قيمة فى عالمنا العربى حتى لو كان عالما كبيرا او عبقريا فريدا فلقد فقدنا الايمان بانفسنا وذواتنا فاصبحنا لا نرى الا ما يراه الاخرون ولا تعتقد الا بما يؤمن به الغالبون ولا نعمل الا تقليدا لاصحاب العيون الزرقاء كأننا بلا هوية ولا تاريخ رغم ان لدينا علماء اثروا فى مجتمعات غربية وكانوا سببا فى نهضتها الحضارية ومن هؤلاء العالم العراقى فاروق القاسم المولود بالبصرة جنوب العراق عام 1934 م والذى حول النرويج الى اعظم دولة نفط فى العالم وحصل على اعلى وسام فى النرويج وهو وسام الشرف من ملك النرويج 2002 واطلق عليه ملك النرويج فارس من وسام القديس اولاف واطلق عليه الاعلام النرويجى الرجل الذى ساعد على بناء النرويج .
بداية كان القاسم يعمل بشركة نفط عراقية عام 1952 م كان يسيطر عليها البريطانيون الى ان وقع عليه الاختيار بسبب اجتهادة فى العمل لدراسة جيولوجيا البترول فى امبريال كوليدج فى لندن وعاد بعدها للعراق عام 1957 م ليعمل فى شركة نفط العراق حتى اصبح مسئولا تنفيذيا رفيعا بالشركة ، الا انه وبسبب اصابة ابنه بمرض شديد وهو الشلل الدماغى ولم يجد له علاج بالعراق وقرر الاطباء العراقيون ان علاجه فى النرويج مما اضطر القاسم الى تقديم استقالته من شركة نفط العراق والسفر الى النرويج ليعالج ابنه وكان على استعداد على ان يعمل سائق على سيارة اجرة ، او عامل نظافة من اجل علاج ابنه من المرض.
تقدم فاروق القاسم الى وزارة العمل بالنرويج للاستفسار عن فرص عمل فى الشركات النفطية النرويجية وكانت صناعة النفط النرويجية فى هذا الوقت فى بدايتها لم تتطور والبلد يفتقر الى الخبرة وعندما التقى خبراء النفط النرويجيين بالسيد فاروق القاسم وجدوا فيه كنز لا يمكن الاستغناء عنه فقاموا بتعيينه مستشارا فى وزارة التجارة والصناعة النرويجية فقام القاسم بوضع خطة مستقبلية للنهوض بصناعة النفط النرويجية والتحول الى الاقتصاد الاخضر، لكن كانت هناك صعوبة بالغة تواجه فاروق القاسم حيث ان القاسم من خلال تحليل عينات التربة بالنرويج كان يرى ان النرويج به ثروة نفطية كبيرة الا ان الحكومة النرويجية كانت فى واد اخر وخصوصا ان كل شركات التعدين العالمية الموجودة بالنرويج لم تجد اى آبار بترول بالنرويج مما صعب مهمة اقناع القاسم الحكومة النرويجية بخططه ودعم رؤيته .
قام القاسم ازاء هذا التحدى بتهديد اخر شركات التعدين التى اردت ان تترك النرويج بغرامة مالية كبيرة ما لم تقم بحفر آخر بئر نفط وانه هو الذى سيحدد لها مكان حفر البئر وعندما قامت الشركة بالحفر وكان ذلك عام 1969، تم اكتشاف حقل إيكوفسك النفطي ، وهو أحد أهم حقول النفط في العالم.
الامر الذى ادى بالحكومة والمجتمع النرويجي الى زيادة الثقة فى فاروق القاسم ومشروعه وخططه المستقبلية للنهوض بصناعة النفط النرويجية والتى سوف تكون فيما بعد حجر الاساس فى بناء اعلى اقتصاديات العالم وتمت الموافقة على خطط ومقتراحات القاسم وتم صدور قانون بها وانشئت مديرية النفط النرويجية و شركة ستات أويل الوطنية عام 1972. وتم تعيين القاسم مديرا للموارد بمديرية النفط النرويجية واستطاع فاروق القاسم فى فترة وجيزة نقل الصناعة النفطية النرويجية نقلة كبرى فبفضل القاسم ارتفع نسبة استخراج النفط فى النرويج الى 45% بينما فى الدول الاخرى 25% كان فاروق القاسم حسب شهادات خبراء النفط فى النرويج يمثل العمود الفقرى للادارة النرويجية للنفط وان القاسم علمهم مبادئ ادارة الموارد النفطية وانه كان بارعا فى الخطابة وانه استطاع نقل التجربة الى امم اخرى لقد ساهم القاسم فى تأمين وضمان الثروة النفطية للنرويج وشعبه مما أهل الاقتصاد النرويجى ليكون من اعلى اقتصاديات فى العالم
ويحول المجتمع النرويجى لمجتمع الرفاهية
المشكلة اننا لدينا عشرات الالاف من العلماء امثال فاروق القاسم ولم تستفد امتنا العربية منهم فلقد طلب الدكتور الراحل احمد زويل توفير الامكانيات له فى مصر وانه سيجعل مصر تصل للعالمية فى مجال تخصصه لكننا للاسف الشديد لم نتعاون معه وغيره الكثيرين وعلى سبيل المثال البرفيسور شعبان كامل محمد ابن مصر الاستاذ الزائر بجامعة مانشيستر متروبوليتان بانجلترا والذى قام بنشر اكثر من726 بحثاً وبياناً علمياً في مجال الكيمياء حتى الان والتي قام بنشرها في دوريات ومجلات عالمية خلافا عن حصوله على العديد من براءات الاختراع وقيامه بالقاء العديد من المحاضرات في المؤتمرات والندوات الدولية .وحصوله على جوائز من منظمات وجامعات عالمية كما حصلت سيرته الذاتيه والعلميه على جائزة “من هو في العلم” لتكون افضل سيرة علمية ملهمة للمجتمع الدولي في مجاله الا اننا لم نستفد من علمه ولم نعطه الفرصة للنهوض بوطننا علما بأن عدد ابحاث الدكتور احمد زويل حوالى 350 بحث هذا ليس تقليل من مكانة الدكتور زويل ولكن توضيح اننا لدينا علماء اخرين بارعين فى مجال تخصصاتهم ويمكن لعالمنا العربى ان يصل الى العالمية من خلال تخصصاتهم وانا على يقين ان هؤلاء العلماء يتمنون هذه الفرصة للنهوض بأوطانهم ، والوصول بها الى العالمية فهل يمكن لاوطننا ان تستفيد بهذه الثروات الضائعة ؟ وخصوصا ان العالم اليوم يشهد تحولات كبرى فى موازين القوى العالمية ، وانهيار تحالفات وبناء تحالفات جديدة وهذه اجواء جيدة يمكننا من خلالها لعالمنا العربى ان يتخذ من القرارات ما يمكنه من الاستفادة بكآفة ثرواته ليتنا نفعل
بقلم أ / على محمد جمال ثرواتنا الضائعة