حماد مسلم يكتب عن
ثورة يوليو والصور البائسة لمصر قبل ١٩٥٢
……………………………..
فى ذكرى ثورة يوليو 1952، مازال خصوم القائد الخالد جمال عبد الناصر، يرددون أكذوبة “أن بريطانيا كانت مدينة لمصر” !!. وكأن الاقتصاد المصرى فى زمن الملكية، كان أقوى من إقتصاد بريطانيا “العظمى” !!.
وردا على أكاذيب الإخوان المجرمين وأتباعهم أقول :–
(1). كتب المؤرخ الكبير د.عاصم الدسوقي -نقلا عن الوثائق البريطانية- شارحا وموضحا حقيقة تلك الخرافة.. فقال أن بريطانيا قد إستولت بالقوة أثناء الحرب العالمية الثانية، على كمية من المحاصيل الزراعية المصرية قيمتها 3 ملايين جنيه إسترلينى، ووعدت بتسديد المبلغ فيما بعد.. (ولكنها بالطبع لم تسدد منه مليما واحدا حتى اليوم) !!.. ومن ناحية أخري، فقد قامت الحكومة البريطانية بخطف عدة آلاف من الفلاحين المصريين من قراهم، وجندتهم لخدمة المجهود الحربى البريطانى !!.. وهؤلاء ماتوا ودفنوا خارج مصر !!. ووعدت الحكومة البريطانية بتقديم تعويضات لأسر الضحايا قيمتها 2 مليون جنيه إسترلينى.. ولكنها أيضا لم تدفع مليما واحدا من هذا المبلغ حتى اليوم !!. وبذلك يكون إجمالى المبلغ المطلوب من بريطانيا 5 مليون جنيه إسترلينى.. وهكذا فمن الواضح أن المبلغ المذكور لايعبر بأى حال عن القوة المزعومة للإقتصاد المصرى، ولا عن ضعف الاقتصاد البريطانى.. ولكنه يعبر عن إستعمار بريطانى بغيض إستنزف مصر، ووضعها في خدمه مصالح بريطانيا..
(2). وهؤلاء الذين يحنون إلى حياة ماقبل ثورة 1952، أدعوهم إلى قراءة كتاب عميد الأدب العربي د.طه حسين “المعذبون في الأرض”.. والكتاب عبارة عن مجموعة قصصية من إحدى عشرة قصة.. تصور كيف إنقسم المصرييون إلى فريقين.. أحدهما يمثل الأغلبية الساحقة البائسة التى تعانى الجوع والعرى والذل والهوان، وهؤلاء هم المعذبون في الأرض.. وأما الفريق الآخر فهم أقلية من الأثرياء تحيا فى تخمة ونعيم.. وفى مقدمة الكتاب كتب طه حسين الإهداء التالى:– إلى الذين يحرقهم الشوق إلى العدل.. وإلى الذين يؤرقهم الخوف من العدل.. إلى الذين يجدون مالاينفقون.. وإلى الذين لايجدون ماينفقون.. ولم يتمكن طه حسين من نشر كتابه طوال زمن الملك فاروق وتمت مصادرته..
(3). فى دراسة قيمة للمؤرخ الراحل د.رؤوف عباس بعنوان “الحركة الوطنية فى مصر 1952-1918″، كتب يقول كانت نسبة الأمية بين المصريين تتجاوز ال90%.. وأكثر من 70% كانوا مصابين بالبهارسيا.. ونسبة المعدمين في الريف عام 37 كانت 76% إرتفعت إلى 85% عام 52.. وأن دخل الفرد عام 36 كان 7جنيهات فى العام.. وقال أن أفلام ذلك الزمان قد ركزت على جمال ونظافة الشوارع والعمارت الفخمة.. ولكنها كانت بعض شوارع القاهرة والاسكندرية والإسماعيلية التى كانت حكرا على الباشوات والجاليات الأجنبية فقط..
(4). فى عام 1931 تبنى كل من أحمد حسين وفتحى رضوان (حزب مصر الفتاة) مشروعا أطلقا عليه إسم “مشروع القرش”. وكان الهدف هو إنقاذ الإقتصاد المصرى من الانهيار.. وذلك بأن يتبرع كل مصرى بقرش واحد.. وتحمست حكومة صدقى باشا للمشروع وقدمت كل التسهيلات المطلوبة.. وكتب أحمد شوقى قصيدة لحث الناس على التبرع قال فيها:–
علم الآباء واهتف قائلا
أيها الشعب تعاون واقتصد
إجمع القرش إلى القرش
يكن لك من جمعهما مال لبد
(5). فى 9 أغسطس عام 2007 كتب المؤرخ الراحل د.يونان لبيب رزق دراسة ممتازة فى الأهرام بعنوان “مقاومة الحفاء فى مصر”.. قال فيها إن المصريين قبل 1952 كانوا شعبا من الحفاه.. وأن الفلاح المصرى لم يعرف إرتداء الحذاء، إلا عندما كان يتم تجنيده فى الجيش المصري !!. حيث أنه لم يكن ممكنا أن يخوض الجيش حروبه بجنود من الحفاة.. وأنه بعد إنتهاء تجنيده، كان الجندى يسلم “الجزمة الميرى” باعتبارها عهدة.. ثم يعود حافيا إلى قريته مثلما جاء منها حافيا !!.. لكن الميسورين من أهالى الريف (مثل العمد والمشايخ) فقد كانوا يرتدون “البلغة”.. وكان الفلاحون يذهبون إلى حقولهم شبه عراة.. وكان سكان المدن يسترون أجسادهم بالكاد بملابس مهلهلة.. وعندما أصبح حسين سرى باشا رئيسا للوزراء، فقد تبنى مشروعا قوميا لمقاومة الحفاء.. وتعهد فى خطاب العرش بأن يرتدى المصريون النعال فى أقدامهم مثل الدول المتقدمة !!. وفى 2مارس 1941 أعلنت الأهرام عن تكوين لجنة مركزية برئاسة عبد الخالق بك حسونة، لوضع الخطط التفصيلية لشكل الحذاء المنتظر.. وأطلقوا عليه إسم “الزنوبة”.. وتقرر أن يتم توزيع الدفعة الأولى من “الزنوبة” على تلاميذ وزارة المعارف فى يوم عيد جلوس الملك.. ولكن لم يتحقق أى شئ مما وعد به رئيس الوزراء حسين سرى باشا.. وظل الشعب المصري يمشى حافيا فى الشوارع !! وفى عام 1950 عندما تولى النحاس باشا رئاسة الوزراء، فقد أعلن هو أيضا فى خطاب العرش، عن مشروع قومى ضخم لمقاومة الحفاء !!. وقد علق على ذلك الدكتور محمد عوض بمقال ساخر فى جريدة الزمان بعنوان “ياابن الحافية” !!
وختاما فلقد كان ضروريا (فى ذكرى ثورة 23) أن نتذكر تلك الصورة البائسة لمصر قبل 52، وأيضا حتى ننعش ذاكرة هؤلاء الذين يحنون إلى أيام الملك، ويزعمون أن مصر كانت دائنة لبريطانيا “العظمى” !!!!!