كتب دكتور خالد فاروق عميرة
– لم تعد المدرسة في عصرنا الحديث مجرد مؤسسة تعليمية تُعنى بالمناهج والاختبارات، بل أصبحت أحد أهم العوامل المؤثرة في الصحة النفسية للطلاب. فالطالب يقضي داخل أسوار المدرسة جزءًا كبيرًا من حياته، تتشكل فيه ملامح شخصيته، وتتبلور ثقته بنفسه، أو على العكس قد تتراكم داخله مشاعر القلق والخوف والضغط إن غابت الرعاية النفسية الواعية.
المدرسة كخط الدفاع الأول عن الصحة النفسية
المدرسة الواعية نفسيًا قادرة على اكتشاف الاضطرابات النفسية المبكرة قبل تفاقمها. فالتغير المفاجئ في السلوك، الانسحاب، العدوانية، أو التراجع الدراسي ليست مشكلات سلوكية عابرة، بل رسائل نفسية صامتة تحتاج إلى من يفهمها ويحتويها، لا من يعاقبها.
المعلم: الأثر الأقوى في حياة الطالب
المعلم هو أكثر شخص قادر على التأثير في نفسية الطالب، إيجابًا أو سلبًا. فالكلمة القاسية قد تترك جرحًا نفسيًا طويل الأمد، بينما الاحتواء والدعم قد يصنعان طالبًا واثقًا قادرًا على تجاوز الصعوبات. ومن هنا تبرز أهمية تدريب المعلمين على مبادئ الصحة النفسية، وفهم الفروق الفردية، واستخدام أساليب تعليمية لا تقوم على الضغط والترهيب بل على التحفيز والتمكين.
بيئة مدرسية خالية من الخوف
المدرسة التي تسمح بالتنمر أو التجاهل أو الوصم النفسي تساهم بشكل مباشر في تدهور الصحة النفسية للطلاب. أما المدرسة الداعمة فهي التي:
تضع سياسات حازمة ضد التنمر والعنف.
تعزز ثقافة الاحترام وقبول الاختلاف.
تخلق مساحة آمنة للتعبير عن المشاعر دون سخرية أو تقليل.
الإرشاد النفسي ليس رفاهية
وجود الأخصائي النفسي داخل المدرسة لم يعد خيارًا ثانويًا، بل ضرورة ملحّة. فالإرشاد النفسي يساعد الطلاب على:
التعامل مع الضغوط الدراسية والامتحانات.
فهم مشاعرهم وتنظيم انفعالاتهم.
اكتساب مهارات حياتية تحميهم من الاضطرابات النفسية مستقبلاً.
الأنشطة المدرسية: علاج غير مباشر
الفنون، الرياضة، والعمل الجماعي ليست أنشطة تكميلية، بل أدوات علاجية نفسية فعّالة. فهي تمنح الطالب متنفسًا آمنًا للتعبير عن ذاته، وتُشعره بالإنجاز والانتماء، وتخفف من التوتر والاحتقان النفسي.
شراكة حقيقية مع الأسرة
الصحة النفسية للطالب مسؤولية مشتركة، ولا يمكن للمدرسة أن تنجح دون وعي الأسرة. فالتواصل المستمر، وتبادل الملاحظات، والتكامل بين البيت والمدرسة يشكلان شبكة أمان حقيقية تحمي الطالب نفسيًا.
خاتمة – من منظور أخصائية نفسية
من واقع خبرتي كأخصائية نفسية، أؤكد أن كثيرًا من الاضطرابات النفسية التي تظهر في المراهقة أو الرشد كان يمكن الوقاية منها لو وُجدت مدرسة واعية نفسيًا في وقت مبكر. الطالب لا يحتاج فقط إلى من يعلّمه، بل إلى من يراه، يسمعه، ويحتويه.
إن المدرسة التي تهتم بالصحة النفسية لا تبني طالبًا متفوقًا فحسب، بل تبني إنسانًا سويًا، قادرًا على التوازن، العطاء، ومواجهة الحياة بثقة. فالصحة النفسية ليست رفاهية تعليمية، بل
حق أساسي لكل طالب وطالبة

