المقالات

حكاية الصورة أية 

حكاية الصورة أية 

 

وليد حسين عمر

 

مصر مليئة بالأبطال حقا وعلينا أن نضع هؤلاء الأبطال تحت المجهر ومن هنا تأتي .

جمهورية زفتى يحكى أن هناك مدينة فى محافظة الغربية تدعى زفتى أعلنت إستقلالها عن المملكة المصرية وأعلنت الحكم الذاتى وإستمرت لمدة ١٠ أيام طيب تعالوا نعرف أصل الحكاية،

(جمهورية زفتى) إسم الجمهورية التى أعلنتها مدينة زفتى بمحافظة الغربية، عقب إستقلالها عن المملكة المصرية المحتلة من بريطانيا، في ٢٣مارس، أثناء ثورة ١٩١٩م، وتم تنصيب المحامى الشاب يوسف الجندى رئيسًا لها.

بدأت الحكاية: فى ٨مارس ١٩١٩م، حين تم إعتقال زعيم الأمة سعد باشا زغلول، وبعض مرافقيه: أحمد باشا الباسل، ومحمد باشا محمود، وإسماعيل صدقى، وسينوت حنا، ومكرم عبيد، وفتح الله بركات، وعاطف بركات، وتم نفيهم إلى جزيرة سيشل،

خرج المصريون: مسيحيون ومسلمون في مظاهرات صاخبة لتسجيل غضبهم ضد هذا الإجراء التعسفي، ولأول مرة في تاريخ مصر خرجت السيدات في مظاهرات، وكان ذلك في ١٦مارس ١٩١٩م.. ولأن خروج سيدات مصر في مظاهرات كانت مفاجأة مدوية فى هذا الزمان، لهذا كان لها أثر بالغ الأهمية عند جموع المصريين فى ربوع مصر.. 

فى بلدة صغيرة على ضفاف النيل تُدعى (زفتى) كانت هناك مجموعة من الشباب الجامعى والفلاحين والتجار تفكر فى عمل حاجة تساعد في الإفراج عن سعد زغلول ورفاقه، وكان من ضمن أفراد تلك المجموعة: المحاميان: يوسف الجندى، وابن عمه عوض الجندى، وكان معهم الشيخ عمايم، والشيخ الكفراوى، وسويلم، والفخرانى، ومحمد أفندى عجينة صاحب مكتبة ومطبعة، 

وكانت تلك المجموعة تلتقى في مقهى (مستوكلى) لصاحبه اليونانى، بميدان بورصة القطن، وإتفقوا على الانفصال عن المملكة المصرية، وإعلان الاستقلال، وإنشاء جمهورية زفتى.

وكان المقصود من هذا العمل هو لفت أنظار العالم لمدى التأييد الشعبى لسعد زغلول ورفاقة. وبعد أن تبلورت الفكرة؛ بدأت تلك المجموعة في التحضير لإعلان الاستقلال صباح يوم ١٨مارس ١٩١٩م، حيث تجاوب معهم جميع أهالى البلدة من فلاحين وأعيان وشباب، حتى مجموعات الخارجين عن القانون انضمت للأهالى، وساندت يوسف الجندى ورفاقه

ذهب القائد يوسف الجندى ومعه بعض أهالى البلدة إلى ضابط النقطة في البلدة، الذي انضم لهم، وفتح لهم السلاحليك ( مخزن السلاح )وشارك معهم فى التخطيط،، ولأول مرة يجتمع رجل الشرطة وزعيم العصابة والمحامى على هدف واحد: محاربة الإنجليز. 

وفى يوم ٢٣مارس ١٩١٩م، تم إعلان جمهورية زفتى وإستقلالها عن المملكة المصرية وتم تكوين المجلس البلدى الحاكم، وتم تنصيب المحامى الشاب يوسف الجندى رئيسا لجمهورية زفتى، والتى إستمرت ١٠ أيام . وذهب المحامي عوض الجندى، شقيق يوسف الأكبر، إلى القاهرة، وأبلغ الصحف لنشر الخبر المُزلزِل، ووصل الخبر إلى مدينة لندن، وتحدثت الصحف البريطانية عن استقلال زفتى التي رفعت عَلما جديدا.، ونجح الثوار في السيطرة على عربات القطار التي كانت مشحونة بالقمح لإرسالها إلى السلطات الإنجليزية.. وجمع يوسف أعيان القرية وطلب منهم التبرع ليصبح للدولة خزانة، وبالفعل تمت التبرعات، وكان هدف يوسف من ذلك أن يجد المال الذى يشغل به الأيدي التى تعطلت نتيجة لظروف الثورة، فلا تتحول هذه الأيدى للسرقة والنهب.

وقام المجلس البلدى للجمهورية الجديدة بتكوين عدة لجان:

– لجنة التموين والإمداد.. وكانت مهمتها حصر المواد التموينية وتوزيعها بالعدل على أهالى البلدة.

– لجنة النظافة.. وكانت من أنشط اللجان، حيث كانت تنظف كل شوارع البلدة، وترشها بالماء، وإنارة الطرقات ليلا.

– لجنة الإعلام.. برئاسة محمد أفندي عجينة، وكانت تقوم بطبع المنشورات السريعة لتوضيح الوضع العام في البلدة، كما قامت اللجنة بإصدار جريدة يومية، وكان اسمها (جمهورية زفتى)

– لجنة الأمن والحماية.. يقودها “حمد أفندى” الضابط الشاب الذي فتح لهم (السلاحليك)، وبمعاونة قاطع الطريق التائب: سبع الليل.. فجمعوا الرجال من الخفر ورجال سبع الليل والأهالى من القادرين على حمل السلاح، وقسموهم إلى مجموعات، كل مجموعة تتولى حماية إحدى مداخل البلدة.

وعندما علمت القيادة الإنجليزية بما حدث، فكان القرار الفورى بإرسال قوة كبيرة للإستيلاء على البلدة، عن طريق كوبرى ميت غمر، ولكن رجال زفتى نجحوا في التصدّى لهم ببسالة، وهزموهم، فتقهقرت القوات الإنجليزية إلى بلدة (ميت غمر).. وعندما علم اللص التائب “سبع الليل” بأن هناك قطار قادم إلى البلدة محمل بمئات الجنود والعتاد العسكرى، قام هو ورجاله بقطع قضبان السكة الحديد على مسافة من خارج البلدة.. (تقول بعض الروايات 15 كيلو متر وتقول روايات أخرى أن القضبان قطعت من أمام قرية (سعد باشا) فعجز الإنجليز عن دخول البلدة للمرة الثانية)

ولتهدئة الأوضاع في مصر، قامت إنجلترا بتغيير حاكمها (المعتمد البريطانى) فى مصر، وعيّنت الجنرال اللنبى ، 

وإنتقلت الثورة من مدينة زفتى إلى باقى مدن ومحافظات مصر، فقام المصريون بتخريب الطرق، وقطع خطوط السكك الحديدية، وخطوط الاتصالات وأسلاك التلغراف وأعمدتها. 

وفى فجر يوم ٢٩مارس ١٩١٩م، فاجأت إنجلترا أهالى زفتى بعشرات المراكب التي تحمل مئات الجنود الإستراليين، وقاموا بمحاصرة زفتى تماما.. وإحتلوها

ونجح الأهالى فى إخفاء رئيس جمهورية زفتى (يوسف الجندى) الذى كانت تبحث عنه القوات البريطانية، وجميع رفاقه، إلى عزبة سعد زغلول في قرية مسجد وصيف، وإستقبلتهم صفية زغلول، وقامت بإخفاء يوسف الجندى ورفاقه، في أماكن مختلفة، حتى تم الإفراج عن سعد زغلول ورفاقه يوم ١٧أبريل من عام ١٩١٩م.

وظل المحامى الثائر يوسف الجندي (١٨٩٣م – ١٩٤١م) مختبئا، حتى عودة سعد زغلول من المنفى والذي قام باختيار يوسف الجندى وزيرا، ولكن الملك فؤاد رفض ذلك، وبعدها تم إنتخاب يوسف الجندى عضوا بمجلس الأمة، وتولى منصب نائب زعيم المعارضة،

 توفى فى عام ١٩٤١م، وعمره ٤٨سنة، وتم إطلاق إسمه على العديد من الشوارع فى القاهرة وزفتى..

نهاية جمهورية زفتى:

– بسبب الغضب الشعبى العام فى مصر تجاه الإنجليز، لم تستخدم بريطانيا العنف، ولم ترسل جنود بريطانيين لزفتى، بل أرسلت قوات إسترالية، ولذا قامت القيادة العامة فى زفتى بطباعة منشور بالإنجليزية وتوزيعه على الجنود الإستراليين، جاء فيه:

 (أيها الجنود، أنتم مثلنا، وإننا نثور على الإنجليز لا عليكم أنتم. إننا نثور من أجل الخبز والحرية والإستقلال. والإنجليز الذين يستخدمونكم فى إستعبادنا يجب أن يكونوا خصومكم أيضًا). 

وكان لتلك الكلمات مفعول السِحر، ويقال إن الجنود الإستراليين رفضوا إقتحام زفتى، ولم يعتدوا على أحد، وإكتفوا بحصارها..

وأرسلت بريطانيا مبعوثا للتفاوض وتسوية الأمور، بشرط أن يُسلّم أهل زفتى ٢٠رجلا منهم للجلد، حفاظا على هيبة بريطانيا، وبعد مناقشات طويلة، قررت إدارة زفتى تسليم ٢٠رجلا. لكنها إختارت الوشاة والخونة وعملاء الإنجليز!! وتم تنفيذ حُكم الجلد عليهم 

كان يوسف الجندى سابقا عصره في كل شئ، حتى فى إختيار المسميات، وفن الإدارة، وإستخدام كلمة: جمهورية، رغم أنها لم تكن منتشرة، ولا يعرفها العامة في ذلك الوقت..

– قصة جمهورية زفتى طويلة جدا، وتحتاج لمجلدات فى الحرية والبطولة والرجال العظماء الذين صنعوا تلك الملحمة التاريخية الخالدة..

حفظ الله مصر وشعبها وجعلها كما تستحق أمة عظمى بين الأمم

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار