“حنين”
(الديكور بسيط :
نافذة، كرسي خشبي ، شال أحمر ، فنجان قهوة بارد.
إضاءة زرقاء باهتة تتسلل من النافذة ،
وكأن الليل نفسه يصغي إليها.)
(حنين تدخل ببطء ،
تضع يدها على قلبها كمن يبحث عن نبضٍ ضاع في مكانٍ ما. تصمت طويلاً ، ثم تتكلم بنفسٍ عميق.)
حنين :
اشتاق له
ليس لأن الحب ما زال ،
بل لأن غيابه صار عادةً تؤلمني أكثر من وجودي.
كلما مرّ طيفه ، شعرتُ أنني أتنفسه ،
كأن الهواء لا يرضى أن يدخل صدري إلا من ذاكرته.
(صوتها يتهدّج، ثم تُغلق عينيها ،
فيظهر صوتها الداخلي خافتًا ،
كأنها تتحدث من داخل نفسها)
الصوت الداخلي :
أتذكرين؟
كان يضحك حين تقولين له “ابقَ قليلًا”
ثم يرحل قبل أن تنتهي الجملة.
كان يترك وراءه عطركِ معلقًا في الفراغ ،
وكأنه يسرقكِ منكِ في كل مرة.
حنين تمشي بخطوات مترددة :
كم مرةٍ وعدت نفسي أن أنساه؟
كم مرةٍ دفنت صورته تحت وسادتي كي لا تزورني الأحلام؟
لكن ، الليل لا ينسى أسماء الذين عبروا القلب أول مرة.
(تجلس على الكرسي ، تضع رأسها بين يديها)
الصوت الداخلي :
الليل ، رفيقكِ العنيد.
هو لا ينام إلا حين يبكيكِ ،
ولا يهدأ إلا حين يسمع اسمَه من شفتيكِ.
حنين تبتسم بمرارة :
هو لم يكن أجمل الرجال ،
لكنّه كان أكثرهم صدقًا حين يضحك ،
وأكثرهم غيابًا حين احتجت أن يبقى.
(تضحك ضحكة قصيرة ، فيها وجع وندم.)
أتعرف يا زمن؟
لم أعد أطلب عدلاً منك ،
فكل ما أخذته مني ، أخذت معه قلبي.
حنين (تجلس على الأرض ، تنظر إلى الشال في يدها):
أتعرف؟
أشتاق إليه كما تشتاق النوافذُ إلى المطر ،
وكما تشتاق اليدُ إلى يدٍ لم تعد تمسك بها.
ليس لأنني ضعيفة
بل لأن الذكرى أقوى منّي.
الصوت الداخلي (يهمس) :
قولي له إذن ، إنك لم تعودي تبكينه ،
بل تبكين نفسكِ التي كانت تعرف كيف تحب دون خوف.
قولي له ، إنكِ لم تعودي تنتظرينه ،
لكن الطريق ما زال يعرف خطواتك حين تمرّين عليه صدفة.
حنين (تتحدث إلى الفراغ ، كأنها تراه) :
أين أنت الآن؟
هل تشرب قهوتك كما كنا؟
هل تضحك لتلك النكتة الصغيرة ،
التي كنتُ أقولها حين يشتد الحزن؟
هل تذكرني؟
أم أنني كنت مجرد فصيلة من الحنين مرّت بك ،
ثم انطفأت؟
(تقترب من النافذة ، تتأمل السماء.
الموسيقى ترتفع قليلًا ،
كأنها حوار صامت بينها وبين البُعد.)
الصوت الداخلي :
هو لا يسمعكِ يا حنين ،
لقد مضى إلى مكانٍ لا تصل إليه الذاكرة.
لكن القلب يا عزيزتي ، لا يتعلم الموت بسهولة.
حنين (ترفع رأسها نحو السماء) :
يا الله
لماذا يزرعنا الحب في أرضٍ لا تنبت إلا الغياب؟
(صمت طويل ، تتلاشى الموسيقى ، ثم تهمس) :
“اشتاق له”
لكنني لن أعود.
فالذين يرحلون ، لا يستحقون ،
أن ننتظرهم عند ذات الباب مرتين.
(تطفئ المصباح ، تبقى الإضاءة على وجهها فقط،
مزيج من دمعة وابتسامة.)
اشتاق له ، نعم.
لكنني أخيرًا ، أشتاق لنفسي التي كانت معه.
(إظلام تدريجي ،
ثم صوت خافت لحنين وهي تهمس من بعيد)
“ربما يوماً ما ، حين يبرد الحنين تمامًا ،
سأفتح النافذة وأقول للريح : خذيه ، لقد انتهيت.”
ستار
طارق غريب
“حنين”