الرئيسيةاخبارحين تستيقظ الهوية: دعوة إلى وعي جديد في زمن تتسارع فيه الخطى
اخبار

حين تستيقظ الهوية: دعوة إلى وعي جديد في زمن تتسارع فيه الخطى

حين تستيقظ الهوية: دعوة إلى وعي جديد في زمن تتسارع فيه الخطى

حين تستيقظ الهوية: دعوة إلى وعي جديد في زمن تتسارع فيه الخطى

بقلم: حسين اسماعيل

 

من الضروري، حين نبدأ الحديث عن الهوية، أن نعود خطوة إلى الوراء، إلى تلك اللحظة الفاصلة التي يتوقف فيها الإنسان طويلًا قبل أن يخطو خطوة واحدة إلى الأمام، لأنه يشعر أن خطواته المقبلة ليست مجرّد حركة في الزمن، بل امتداد لظل قديم يعيش فيه منذ ولادته، ظل اسمه «الانتماء». هذا الشعور الخفي الذي لا يُرى بالعين لكنه يسكن الروح بكل طبقاتها، ويكبر مع كل لحظة نعيشها، ويتشكل من تراكمات الطفولة، من روائح البيوت المصرية، من أصوات الشوارع ولهجة الأمهات والآباء، ومن طريقة الناس في السلام والاختلاف، في الفرح والحزن. ومع مرور الأيام يتحول هذا كله إلى ما نطلق عليه «هوية»، ذلك الكيان المركّب الذي لا يمكن اختزاله في سلوك واحد أو تقليد واحد، بل شبكة واسعة من الرموز والقيم والرؤى التي تجعل هذا الشعب يقف في العالم بملامح لا تشبه أحدًا سواه                     

                                                                          

والهوية ليست شعارًا نرفعه ساعة الغضب، ولا كلمة نتمتم بها حين نشعر بالزهو، بل هي أساس الشخصية الجمعية التي تشكل رؤيتنا للحياة، لأنها مجموع ما ورثناه وما اختبرناه وما خزّناه في ذاكرتنا من صور وتجارب، ولذلك تبدو كرقم قومي نحمله: لا يمكن تغييره دون أن نفقد بعضًا من أنفسنا، ولا يمكن التخلص منه دون أن نضيع في عالم لا مكان فيه لمن يجهل جذوره. وبينما يتصور البعض أن الهوية يمكن استعارتها كما تُستعار ثياب مناسبة عابرة، فإن الحقيقة أن الهوية تُكتسب عبر زمن طويل وتتغلغل في الوعي حتى تصبح جزءًا من طريقة الشعور بالحياة ذاتها               

ومن هذا الإدراك ولدت الحاجة إلى هذه السلسلة من المقالات التي قررت أن أبدأ نشرها ابتداءً من اليوم، لا لتأثيم الحاضر ولا للبكاء على الماضي، بل لتقديم جلسة هادئة مع القارئ تشبه تلك الجلسات القديمة التي كانت تُروى فيها الحكايات ببطء، فيلتقي التاريخ بالفلسفة، وتمتزج الحكاية بالتحليل، ويقترب السؤال الكبير الذي يلحّ على الوعي المصري: هل نفقد هويتنا فعلًا؟ وهل يمكن أن يستيقظ المرء ذات صباح ليجد أن ما كان يميّزه بالأمس لم يعد حاضرًا اليوم؟ أم أن الهوية، مهما تعرضت للتشويش والتشويه، تظل قادرة على العودة، مثل نهرٍ يعرف طريقه حتى لو تراكمت السدود أمامه؟           

هذه المقالات ليست مشروعًا لإثارة الخوف، بل محاولة لصناعة وعي جديد، لأنها تتتبع الخيوط الدقيقة التي تؤدي إلى تآكل الهوية، وتكشف الأسباب التي تعمل بصمت أحيانًا، وتحاول أن توقظ القارئ من غفوته، ليرى كيف تتسلل العادات الدخيلة، وكيف يتغير شكل القدوة، وكيف تنهك اللغة، وكيف يتحول الإعلام إلى مرآة تعكس صورة غير صورتنا. وكل هذا لا يأتي بدافع النقد المجرد، بل بدافع الحب؛ حب بلدٍ نعرف قيمته، ونلمس عمقه في تاريخه الطويل وإنجازاته المعاصرة. بلد نحاول نحن، أن نؤازر آلاف المخلصين من قادة ومسئولين في هذا البلد الحبيب الذين يعملون بصمت مثمر، أن نضيف إليه شيئًا صغيرًا من الوعي، شيئًا يدفعه خطوة للأمام في زمن تتسارع فيه الخطى                                     

ولأن الهوية ليست كيانًا جامدًا بل كائن حيّ يتنفس ويتطور، فإن الحفاظ عليها لا يكون بالصراخ ولا بالتخوين، بل بفهم آليات التغيير، وبرغبة صادقة في إعادة تشكيل الوعي العام. ولهذا تأتي هذه السلسلة كحكاية فلسفية ممتدة، تلتف فيها الأفكار حول بعضها كخيوط نولٍ قديم تنسج أمام القارئ لوحة واسعة يرى فيها نفسه وبلده ومستقبله، ويدرك أن الدفاع عن الهوية ليس معركة ضد الآخرين، بل معركة ضد النسيان، وضد الاستسلام، وضد تلك اللحظات التي نتخلى فيها عما كنا عليه لنصبح شيئًا لا نعرفه        

وما هذه الكلمات إلا محاولة مخلصة، امتداد لحبّ لا ننكره ولا ندعيه، حبّ المحروسة, رغبة صادقة في أن نكون جزءًا من صوتها الإيجابي، خطوة صغيرة في طريق نهضتها التي تتسع لكل يد مخلصة، وكل عقل واعٍ، وكل قلب يحب هذه الأرض

حين تستيقظ الهوية: دعوة إلى وعي جديد في زمن تتسارع فيه الخطى

حين تستيقظ الهوية: دعوة إلى وعي جديد في زمن تتسارع فيه الخطى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *