الرئيسيةثقافةحين صارت الأيام بلا ملامح
ثقافة

حين صارت الأيام بلا ملامح

حين صارت الأيام بلا ملامح

حين صارت الأيام بلا ملامح

نشأت البسيوني 

تمر الأيام يا صديقي كأنها تساق بالعصا

لا تشبه ما قبلها

ولا تبشر بما بعدها

كل صباح يأتي محملا بنفس التعب

بنفس الوجوه بنفس الكلام

كأن الحياة أصبحت تكرارا مرهقا

صوتا بلا معنى وخطوة بلا اتجاه

حين كانت الأحلام تسكن القلب

كان لكل يوم لونه

لكل فجر أمله

ولكل ليل حكايته

أما الآن فقد تلاشت الألوان

وصارت الأيام رمادية

تمضي فقط لأننا اعتدنا أن نمضي

أتعرف يا صديقي ما أقسى ما في الأمر

أننا لم نعد نشعر بالدهشة

ولا ننتظر شيئا بعين لامعة

ولا نشتاق إلا لما كان

كأننا شخوص في رواية قديمة

انتهت أحداثها وبقيت الأوراق مفتوحة بلا نهاية

صارت الوجوه متعبة

والكلمات باهتة

حتى القلوب تلك التي كانت تشتعل لأتفه الأشياء 

بردت

تعلمت الصمت بدل العتاب

والتجاهل بدل الغضب

والابتسامة المزورة بدل الحقيقة الموجعة

يا صديقي

كأننا كبرنا فجأة دون أن ننتبه

كبرنا حين توقفنا عن الجري خلف أحلامنا

وحين صرنا نرضى بالقليل كي لا نخسر ما تبقى

كبرنا حين بدأنا نخفي الدموع عن أنفسنا

وحين بتنا نضحك لأن الحزن لم يعد يدهشنا

كم من مرة تحدثت إلى نفسك ليلا

وأقنعتها بأن الغد سيكون أفضل

وكم من مرة صدقت ذلك الوهم الجميل

فاستيقظت على نفس الخيبة

أصبحنا نحيا بالعادة لا بالأمل

نمارس الحياة كما يمارس العامل عمله في مصنع قديم

يكرر الحركات نفسها كل يوم

وقد نسي لماذا بدأ أصلا

حين صارت الأيام بلا ملامح

فقدنا الإحساس بالوقت

بالأشخاص

وبأنفسنا

أصبحنا غرباء حتى عن أرواحنا

نسير ونحن لا ندري إلى أين

نضحك ونحن نختنق

نكمل الطريق فقط لأن الرجوع مؤلم أكثر من السير

لكن رغم كل ذلك

ثمة بصيصٌ صغير يختبئ في الزاوية

كشمعة ترفض أن تنطفئ

يقول لنا ما زلتم أحياء

وربما في لحظة صدق واحدة

حين نغسل أرواحنا من ضجيج الحياة

نكتشف أن هذا الرماد الذي يغطي القلب

ليس سوى دليل على نار لم تمت بعد

بل تنتظر الريح التي تعيد اشتعالها

حين صارت الأيام بلا ملامح

  • حين صارت الأيام بلا ملامح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *