حين صار القلب رمادا ونفخت عليه حتى تلاشى
بقلم/نشأت البسيوني
لم أكن أظن يوما أن القلب يمكن أن يصل إلى هذا الحد من الانطفاء أن يتحول من نار تتأجج إلى قبس خافت ثم إلى رماد هادئ لا حرارة فيه ولا لون كنت أراه يقاتل يصبر يرمم نفسه كلما انكسر ويعود للحياة رغم الدماء التي سالت منه لكن يبدو أن كل الأشياء مهما صمدت لها نهاية وحتى القلوب حين تستنزف بالكامل لا تعود كما كانت
بدأ موت قلبي ببطء
لم يكن طعنة واحدة بل آلاف الطعنات الصغيرة التي لا يراها أحد
نظرة باردة هنا كلمة جارحة هناك وعد يتهاوى وغياب يطول وانتظار يمتد كصحراء لا ظل فيها
وكان قلبي كلما نزف يضمد جرحه بابتسامة وصبر وتبرير للأوجاع حتى أنهكته مراعاته لمن لا يرونه أصلا
وفي ليلة باردة كنت أظنها مثل كل الليالي شعرت بشيء يتكسر داخلي
نبضة فقدت قوتها دفء انسحب لون ذبل
لم أفهم في البداية لكن الصمت الذي حل في صدري كان كافيا ليخبرني أن النهاية قد وصلت
حملت قلبي بين ضلوعي كما يحمل المرء حملا ثقيلا لا يريد الاعتراف به
سرت به إلى داخلي إلى حفرة لم أكن أعلم بوجودها حفرة حفرت من كثرة الخيبات من تراكم الليل فوق الليل ومن الكلمات التي لم تقل والدموع التي لم تسكب
هناك وقفت أمام نهايته
جلست أمامه لحظات طويلة
تأملته كما يتأمل المرء صورة قديمة لشيء كان يوما جميلا
قلت له بصوت لا يسمعه غيري
لقد تعبت وأعرف ذلك لن أطلب منك أن تنهض مرة أخرى
فلم يتحرك
لم ينبض
كان ميتا أو شيئا قريبا من الموت
فدفنته
دفنته بأصابعي المرتجفة كأني أدفن جزءا من حياتي وكأني أقول لنفسي
انتهى زمن الوجع أو هكذا أتمنى
غطيته بالتراب ثم بالذكريات ثم بالصمت
ولم ألتفت خلفي
ومنذ ذلك اليوم تغير داخلي
لم أعد أرتعش حين أسمع اسما ولم أعد أشتاق ولم أعد أتعلق
صار العالم أمامي لوحة باردة ألوانها باهتة حدودها واضحة
صرت أرى الأمور بعين لا يلوثها الحب وأمشي بخطوات لا تربطها القلوب
أصبحت واقعية إلى حد القسوة وصامتة إلى حد النجاة
لكن الليل الليل له سلطة لا ينافسه فيها أحد
حين يهدأ كل شيء وحين يشتد السكون أضع يدي على صدري فأشعر برجفة صغيرة
كانها خفقة مختبئة كأن القلب تحت التراب يحاول أن يقترب من السطح
كأنه يقول
هل انتهى دوري حقا
وللحظة قصيرة أرتبك
أخاف أن يعود
أخاف أن ينهض من قبره أن يصدق كلمات أحدهم أن ينزف من جديد أن يثق ثم يكسر أن يتعلق ثم يسقط
لقد دفنته لأحميه ولأحمي نفسي منه
ومع ذلك لا أنكر أن جزءا صغيرا هشا ضائعا مني لا يزال يتمنى عودته
يتمنى أن ينبض أن يشرق أن ينسى موته ويبدأ من جديد
لكني أدرك أيضا أن القلوب حين تعود من قبورها لا تعود كما كانت
إلى أن يعود أو يبقى ميتا إلى الأبد تبقى الحقيقة غائرة في داخلي
هناك تحت طبقة من الصمت
قلب مات ودفنته
وتركت فوق قبره سطرا لا يمحوه الوقت
هنا انتهى كل شيء وبدأ صمتي

