حين نغلق صفحة ونفتح أفقًا جديدًا
د. مدحت يوسف
31 / 12 / 2025
في خضم هذا الزخم المتسارع للحياة المعاصرة تتلاحق الأيام وتتقاطع اللحظات حتى تمر الأعوام وكأنها ومضات سريعة لا ندرك عمقها إلا عند التوقف للتأمل. فالزمن لا يمضي عبثًا بل يترك في مسيرتنا خبرات متراكمة تشكل وعينا وتصقل رؤيتنا وتعيد ترتيب أولوياتنا مع كل مرحلة جديدة.
إن نهاية عام ليست مجرد انتقال زمني بل هي محطة مراجعة هادئة يلتقي فيها العقل بالتجربة وتلتقي فيها الطموحات بما تحقق فعليًا. ففي هذه اللحظات تتجلى قيمة المحاسبة الواعية التي لا تقوم على جلد الذات بل على قراءة موضوعية لما أُنجز وما تعثر وما يمكن تطويره. فالتقدم الحقيقي يُقاس بقدرتنا على التعلم والتحسن المستمر لا بعدد ما تحقق فقط.
ورغم ما يحمله كل عام من نجاحات واضحة فإن الشعور بأننا قادرون على تقديم المزيد يظل حاضرًا. وهذا الإحساس في جوهره علامة صحة وطموح لا علامة تقصير لأنه يعكس عقلًا متجددًا لا يكتفي بما وصل إليه ويسعى دومًا إلى آفاق أرحب. فالطموح المتوازن هو الوقود الحقيقي للنمو الفردي والمؤسسي.
ومع طي صفحة عام مضى يبقى الأثر الطيب هو الرصيد الأهم وتبقى الدروس هي الثروة الأكثر قيمة. أما العام القادم فهو مساحة جديدة للأمل وفرصة حقيقية لإعادة صياغة الأهداف على أسس أكثر نضجًا وواقعية. فالبدايات الجديدة لا تصنعها الأمنيات وحدها بل يصنعها التخطيط الواعي ووضع ميزانيات واضحة للإنجاز وتحديد أولويات تتوافق مع الإمكانيات والطموحات.
إن صناعة الأثر تتطلب رؤية تطويرية شاملة تنطلق من الذات وتمتد إلى المجتمع وتستند إلى الأخلاقيات والقيم الأصيلة. فالنجاح المستدام لا ينفصل عن النزاهة ولا يكتمل دون العطاء ولا يستمر دون الإحساس بالمسؤولية تجاه الآخرين. ومن هنا تصبح الأخلاق والالتزام والصدق عناصر أساسية في أي مشروع شخصي أو وطني.
والتفاؤل بالمقبل ليس مجرد شعور عابر بل هو موقف فكري يعكس الثقة في القدرة على التغيير والتحسن. فكل يوم قادم يحمل إمكانية جديدة للإنجاز إذا أُحسن استثماره بعقل منفتح وإرادة واعية. ومع تجدد الأهداف تتجدد العزيمة على البناء والتطوير وترسيخ ثقافة العمل الجاد وصناعة المستقبل.
ومع استقبال عام جديد نتوجه بالدعاء أن يكون عامًا أفضل يحمل الخير والبركة لنا جميعًا ولأوطاننا وبلادنا وأهلينا. عامًا نبدأه بإيمان راسخ بأن القادم أجمل وبعزم صادق على أن يكون لكل يوم فيه قيمة ولكل جهد أثر ولكل خطوة معنى في مسيرة البناء والنماء.
حين نغلق صفحة ونفتح أفقًا جديدًا


