الرئيسيةاخبارحين يصبح الصمت وطنا
اخبار

حين يصبح الصمت وطنا

حين يصبح الصمت وطنا

حين يصبح الصمت وطنا

 

بقلم/نشأت البسيوني 

 

يأتي وقت لا يعود فيه الكلام مجديا

حين تتكسر الحروف في الحلق

وتصبح اللغة نفسها خيانة لما نشعر به

فنلوذ بالصمت كمن يلجأ إلى حضن قديم يعرف كيف يحتويه دون سؤال

حين يصبح الصمت وطنا

لا يعود الهروب ضعفا

بل نجاة من ضجيج لا يسمع

ومن بشر لا يفهمون إلا حين يفقدونك

تجلس مع نفسك طويلا

تتأمل ملامحك في مرآة تجهلها

فتكتشف كم كبرت لا بالعمر بل بالخذلان

وكم تغيرت لا بالشكل بل بالوجع

الصمت يا صديقي ليس فراغا كما يظن البعض

بل هو امتلاء بالعبرة

ومساحة تنضج فيها الأرواح بعد أن أرهقها الكلام

إنه حديث خفي بين القلب وربه

حديث لا يحتاج إلى أصوات

يكفي فيه أن تغمض عينيك لتسمع ما لا يقال

حين يصبح الصمت وطنا

تتعلم أن لا تبرر

ولا تفسر

ولا تقنع من اختار أن لا يفهمك

تكتفي بالسكوت لأنك أدركت أن الرد أحيانا يقلل من قداسة الوجع

وأن البوح في زمن لا يصغي هو نوع من الانتحار الأدبي

في الصمت نضج لا يمنحه الكلام

وفي العزلة جمال لا يفهمه من اعتاد الضجيج

هناك أرواح ولدت لتكون هادئة

تحب بصمت

وتتألم بصمت

وترحل بصمت

كأنها تخشى أن تزعج الوجود بأنينها

حين يصبح الصمت وطنا

تغدو الدموع لغتك الأم

تتحدث بها دون ترجمة

يفهمها الله وحده

ويجيبك بطمأنينة تسكت كل العواصف داخلك

ما أجمل أن تصل إلى تلك المرحلة

مرحلة النضج التي لا تحتاج فيها إلى تبرير غيابك

ولا إلى شرح وجعك

ولا إلى انتظار من يفهمك

تتعلم أن تحمي نفسك بالهدوء

وأن تضع بينك وبين العالم مسافة من السكون

مسافة تحفظ ما تبقى من نقائك

حين يصبح الصمت وطنا

لا يعود الغياب يخيفك

ولا الوحدة تؤلمك

فقد وجدت نفسك في أعمق نقطة فيك

تدرك أن الله لم يأخذ شيئا منك إلا ليطهرك من الضوضاء

وليردك إلى سلامك الأول

ذلك السلام الذي ولدت به قبل أن يلوثك الناس

وهكذا تمضي

هادئا كغيمة لا تحمل سوى الضوء

صادقا مع نفسك حد الصمت

ومتصالحا مع خيباتك حد الوجع الجميل

تسكن وطنك الداخلي

تغلق الأبواب على قلبك

وتهمس لنفسك أخيرا

ها أنا أعود إلي بعد طول اغتراب

حين يصبح الصمت وطنا

حين يصبح الصمت وطنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *