الرئيسيةUncategorizedحين يطفئ الليل آخر مصابيح القلب
Uncategorized

حين يطفئ الليل آخر مصابيح القلب

حين يطفئ الليل آخر مصابيح القلب

نشأت البسيوني 

 

حين يطفئ الليل آخر مصابيح القلب يبدأ كل شيء في الظهور بحقيقته الأولى الحقيقة التي نحاول طمسها طوال النهار ونغطيها بالضجيج ونلهي أنفسنا عنها بالمواعيد والابتسامات وما يشبه القوة عند أول لحظة صمت يتكشف الألم كأنه يخرج من مخبئه الطويل 

 

ويمد ذراعيه حول الروح بحنان موجع كأنه يعرف كل نقطة انهزام فيها الليل ليس زمنا مألوفا للعابرين بخفة بل هو امتحان قاسٍ لأولئك الذين يتظاهرون بالثبات بينما هم ينهارون بصمت من الداخل

 

في هذا الليل لا شيء يرافق الإنسان سوى صداه يسمع قلبه كما لم يسمعه من قبل ينبض ببطء يائس وكأنه يبحث عن سبب واحد فقط ليواصل يبحث عن معنى يبرر هذا الحمل الثقيل الذي بداخله 

 

هناك وجع لا يختبئ خلف حادث واضح ولا خلف كلمة جارحة بل يولد من تراكم الأيام من خيبات صغيرة ظن صاحبها أنه تجاوزها لكنها اشتعلت جميعا في اللحظة نفسها وصارت نارا صامتة تأكل أطراف الروح دون أن يلاحظ أحد

 

أصعب الأوجاع هي تلك التي لا يمكنك أن تشرحها حتى لو فتحت صدرك لأقرب الناس إليك ليس لأنهم لا يفهمون بل لأن الوجع نفسه لا يملك شكلا ولا لغة تناسبه هو شعور غامض يضربك من الداخل إلى الخارج يجعل كل شيء ثقيلا عيناك خطواتك حتى الهواء من حولك يصبح أكثر كثافة كأنك تمشي داخل بحر لا تريد السباحة فيه 

 

ولا القدرة على الخروج منه قد تسأل نفسك مئات المرات ما الذي يوجعني لكن الجواب لا يحضر لأن الألم الذي يشتعل في الأعماق ليس حدثا بل تاريخا ليس لحظة بل سردا طويلا من الانحناءات

وكم هو مر ذلك الشعور بأنك تحاول جاهدا ألا تسقط بينما لا أحد 

 

يلاحظ أنك تمشي بحافة روحك وأنك تتماسك بأطراف أصابعك كي لا تنزلق إلى الهاوية الناس يرون الوجه الذي يعود إليهم دائما لكنهم لا يرون السقوط الذي يحدث داخلك كل ليلة ولا يسمعون أصوات الانكسارات الخفية وحدك تعرف كم مرة ابتسمت كي لا تقلق أحدا وكم مرة قلت أنا بخير بينما كان كل شيء في داخلك ينادي بالعكس

 

هناك ليال لا تريد فيها شيئا سوى كوب ماء يهدئ ارتجاف صدرك أو يد تبقى بجانبك حتى لو لم تفعل شيئا أو مساحة صغيرة تبكي فيها دون أن تخشى أن يسمعك أحد وفي تلك اللحظات تصبح كل الأشياء التي تهرب منها قريبة وجه كنت تظن أنك نسيته كلمة 

 

رفضت أن تعترف بوجعها سؤال لم تجرؤ على طرحه حلم انتهى دون وداع كلها تجلس حولك في دائرة صامتة تراقبك بعين باردة وتذكرك بما تحاول الهرب منه الليل لا يملك رحمة الضوء هو مرآة كاملة تكشف كل خدش وتعيد إليك كل صوت هارب

 

ورغم ذلك يحمل الليل سرا آخر سرا لا ينتبه له الكثيرون أنه يمنح الإنسان فرصة ليكون صادقا مع نفسه لأول مرة حين يطفئ المصابيح الخارجية تضاء المصابيح الداخلية رغما عنك ترى ذاتك بلا رتوش بلا قوة مزيفة بلا تلك الأقنعة التي ترتديها كل يوم ترى خوفك وحنينك وكسرك وأيضا ذلك الجزء الصغير منك الذي لا يزال يقاوم ذلك الجزء الذي ما زال ينهض رغم السقوط ويحب رغم 

 

الخيبات ويحلم رغم كل الأبواب المغلقة

أحيانا يكون الليل معلما قاسيا لكنه معلم صادق يعريك من كل شيء ثم يمنحك فرصة أن تتعرف عليك مجددا يذكرك أنك لم تعد الشخص الذي كنت عليه قبل سنوات وأنك خسرت أشياء كثيرة لكنك ربحت شيئا واحدا لا يشترى القدرة على البقاء البقاء وسط العاصفة وسط الفقد وسط الوحدة البقاء رغم أن القلب امتلأ بندوب أكثر مما يحتمل هذه القدرة وإن جاءت بثمن باهظ إلا أنها ما تجعل 

 

الإنسان قادرا على مواصلة الطريق

ومع ذلك هناك صوت آخر يظهر حين يتعمق الليل صوت لا يسمعه إلا من جلد بالحياة بما يكفي صوت الأمل ليس الأمل الطفولي الذي يضحك لأبسط الأشياء ولا الأمل البسيط الذي نردده في الصباحات بل الأمل المتعب الذي ولد في أقسى اللحظات الأمل الذي يشبه امرأة عجوز تجلس على عتبة الليل وتحكي حكايات لم يبق منها 

 

سوى الرماد لكنها تصر على أن بقايا الجمر قد تشتعل إذا نفخ أحدهم فيها بلطف هذا النوع من الأمل لا يسطع بل يومض لا يصرخ بل يهمس لكنه يكفي كي يمنع الروح من الانطفاء الكامل

وقد يحدث في تلك الساعات أن يتساءل الإنسان لماذا أعيش كل هذا لماذا كل هذا الثقل لماذا يبدو العالم وكأنه مكان لا يبنى فيه 

 

شيء دون أن ينهار شيء آخر لكن الحقيقة التي نرفضها أننا لا نعيش لنفهم بل لنواصل وأن مواصلة الطريق رغم الألم هي الشهادة الوحيدة على أننا ما زلنا نملك شيئا نحارب لأجله ولو كان هذا الشيء مجرد بقايا حلم أو ذكرى جميلة أو رغبة خفية بأن يأتي يوم لا يؤلم فيه شيء

 

ومهما طال الليل سيأتي الفجر ليس لأنه جميل بل لأنه قانون سيأتي ولو كان قلبك لا يزال مكسورا ولو كانت روحك منهكة سيأتي لأنك لم تنطفئ بعد لأن في داخلك ما زال ذلك الجزء الضعيف القوي الجزء الذي يرفض أن يستسلم ويرفض أن يختفي في العتمة هذا الجزء هو حارس الروح الحارس الذي لا يراه أحد 

 

لكنه يعمل بصمت ليبقيك حيا

وعندما يشرق الضوء لن يزيل الألم لكنه سيخففه لن يمحو الجراح لكنه سيجعلها أقل حدة سيذكرك بأنك اجتزت الليل مرة أخرى وأنك رغم كل الوجع ما زلت هنا وما دام فيك بقاء ففيك بداية حتى لو كانت بداية صغيرة بداية لا يراها أحد لكنك وحدك تشعر بها

حين يطفئ الليل آخر مصابيح القلب
نشأت البسيوني

حين يطفئ الليل آخر مصابيح القلب يبدأ كل شيء في الظهور بحقيقته الأولى الحقيقة التي نحاول طمسها طوال النهار ونغطيها بالضجيج ونلهي أنفسنا عنها بالمواعيد والابتسامات وما يشبه القوة عند أول لحظة صمت يتكشف الألم كأنه يخرج من مخبئه الطويل

ويمد ذراعيه حول الروح بحنان موجع كأنه يعرف كل نقطة انهزام فيها الليل ليس زمنا مألوفا للعابرين بخفة بل هو امتحان قاسٍ لأولئك الذين يتظاهرون بالثبات بينما هم ينهارون بصمت من الداخل

في هذا الليل لا شيء يرافق الإنسان سوى صداه يسمع قلبه كما لم يسمعه من قبل ينبض ببطء يائس وكأنه يبحث عن سبب واحد فقط ليواصل يبحث عن معنى يبرر هذا الحمل الثقيل الذي بداخله

هناك وجع لا يختبئ خلف حادث واضح ولا خلف كلمة جارحة بل يولد من تراكم الأيام من خيبات صغيرة ظن صاحبها أنه تجاوزها لكنها اشتعلت جميعا في اللحظة نفسها وصارت نارا صامتة تأكل أطراف الروح دون أن يلاحظ أحد

أصعب الأوجاع هي تلك التي لا يمكنك أن تشرحها حتى لو فتحت صدرك لأقرب الناس إليك ليس لأنهم لا يفهمون بل لأن الوجع نفسه لا يملك شكلا ولا لغة تناسبه هو شعور غامض يضربك من الداخل إلى الخارج يجعل كل شيء ثقيلا عيناك خطواتك حتى الهواء من حولك يصبح أكثر كثافة كأنك تمشي داخل بحر لا تريد السباحة فيه

ولا القدرة على الخروج منه قد تسأل نفسك مئات المرات ما الذي يوجعني لكن الجواب لا يحضر لأن الألم الذي يشتعل في الأعماق ليس حدثا بل تاريخا ليس لحظة بل سردا طويلا من الانحناءات
وكم هو مر ذلك الشعور بأنك تحاول جاهدا ألا تسقط بينما لا أحد

يلاحظ أنك تمشي بحافة روحك وأنك تتماسك بأطراف أصابعك كي لا تنزلق إلى الهاوية الناس يرون الوجه الذي يعود إليهم دائما لكنهم لا يرون السقوط الذي يحدث داخلك كل ليلة ولا يسمعون أصوات الانكسارات الخفية وحدك تعرف كم مرة ابتسمت كي لا تقلق أحدا وكم مرة قلت أنا بخير بينما كان كل شيء في داخلك ينادي بالعكس

هناك ليال لا تريد فيها شيئا سوى كوب ماء يهدئ ارتجاف صدرك أو يد تبقى بجانبك حتى لو لم تفعل شيئا أو مساحة صغيرة تبكي فيها دون أن تخشى أن يسمعك أحد وفي تلك اللحظات تصبح كل الأشياء التي تهرب منها قريبة وجه كنت تظن أنك نسيته كلمة

رفضت أن تعترف بوجعها سؤال لم تجرؤ على طرحه حلم انتهى دون وداع كلها تجلس حولك في دائرة صامتة تراقبك بعين باردة وتذكرك بما تحاول الهرب منه الليل لا يملك رحمة الضوء هو مرآة كاملة تكشف كل خدش وتعيد إليك كل صوت هارب

ورغم ذلك يحمل الليل سرا آخر سرا لا ينتبه له الكثيرون أنه يمنح الإنسان فرصة ليكون صادقا مع نفسه لأول مرة حين يطفئ المصابيح الخارجية تضاء المصابيح الداخلية رغما عنك ترى ذاتك بلا رتوش بلا قوة مزيفة بلا تلك الأقنعة التي ترتديها كل يوم ترى خوفك وحنينك وكسرك وأيضا ذلك الجزء الصغير منك الذي لا يزال يقاوم ذلك الجزء الذي ما زال ينهض رغم السقوط ويحب رغم

الخيبات ويحلم رغم كل الأبواب المغلقة
أحيانا يكون الليل معلما قاسيا لكنه معلم صادق يعريك من كل شيء ثم يمنحك فرصة أن تتعرف عليك مجددا يذكرك أنك لم تعد الشخص الذي كنت عليه قبل سنوات وأنك خسرت أشياء كثيرة لكنك ربحت شيئا واحدا لا يشترى القدرة على البقاء البقاء وسط العاصفة وسط الفقد وسط الوحدة البقاء رغم أن القلب امتلأ بندوب أكثر مما يحتمل هذه القدرة وإن جاءت بثمن باهظ إلا أنها ما تجعل

الإنسان قادرا على مواصلة الطريق
ومع ذلك هناك صوت آخر يظهر حين يتعمق الليل صوت لا يسمعه إلا من جلد بالحياة بما يكفي صوت الأمل ليس الأمل الطفولي الذي يضحك لأبسط الأشياء ولا الأمل البسيط الذي نردده في الصباحات بل الأمل المتعب الذي ولد في أقسى اللحظات الأمل الذي يشبه امرأة عجوز تجلس على عتبة الليل وتحكي حكايات لم يبق منها

سوى الرماد لكنها تصر على أن بقايا الجمر قد تشتعل إذا نفخ أحدهم فيها بلطف هذا النوع من الأمل لا يسطع بل يومض لا يصرخ بل يهمس لكنه يكفي كي يمنع الروح من الانطفاء الكامل
وقد يحدث في تلك الساعات أن يتساءل الإنسان لماذا أعيش كل هذا لماذا كل هذا الثقل لماذا يبدو العالم وكأنه مكان لا يبنى فيه

شيء دون أن ينهار شيء آخر لكن الحقيقة التي نرفضها أننا لا نعيش لنفهم بل لنواصل وأن مواصلة الطريق رغم الألم هي الشهادة الوحيدة على أننا ما زلنا نملك شيئا نحارب لأجله ولو كان هذا الشيء مجرد بقايا حلم أو ذكرى جميلة أو رغبة خفية بأن يأتي يوم لا يؤلم فيه شيء

ومهما طال الليل سيأتي الفجر ليس لأنه جميل بل لأنه قانون سيأتي ولو كان قلبك لا يزال مكسورا ولو كانت روحك منهكة سيأتي لأنك لم تنطفئ بعد لأن في داخلك ما زال ذلك الجزء الضعيف القوي الجزء الذي يرفض أن يستسلم ويرفض أن يختفي في العتمة هذا الجزء هو حارس الروح الحارس الذي لا يراه أحد

لكنه يعمل بصمت ليبقيك حيا
وعندما يشرق الضوء لن يزيل الألم لكنه سيخففه لن يمحو الجراح لكنه سيجعلها أقل حدة سيذكرك بأنك اجتزت الليل مرة أخرى وأنك رغم كل الوجع ما زلت هنا وما دام فيك بقاء ففيك بداية حتى لو كانت بداية صغيرة بداية لا يراها أحد لكنك وحدك تشعر بها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *