رحلة ابن خلكان في طلب العلم
بقلم / محمـــد الدكـــروري
رحلة ابن خلكان في طلب العلم
ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن الإمام إبن خلكان هو أحد الأئمة الفضلاء والسادة العلماء والصدور الرؤساء، وكعادة طلبة العلم في ذلك الزمان رحل ابن خلكان إلى العديد من البلاد للسماع من الشيوخ والعلماء، فقصد مصر، وأقام فيها زمنا حيث تولى نيابة قضائها عن القاضي بدر الدين السنجاري، ثم ارتحل إلى دمشق فعينه الظاهر بيبرس على قضاء الشام، وبعد عشرة سنوات تم عزله، فرجع ابن خلكان إلى مصر ومكث بها سبع سنوات، ثم عاد مرة أخرى إلى القضاء بالشام، ولكنه تم عزله من منصبه بعد فترة من الزمان، وقد كان المنصب دُولا بينه وبين ابن الصائغ، يُعزل هذا تارة، ويولى هذا، ويعزل هذا، ويولى هذا، وحينما أعيد ابن خلكان لمنصبه في إحدى المرات كان يوم توليته يوما مشهودا.
حيث جلس في منصة القضاء، وتكلم الشعراء عنه مادحين إياه مبرزين أفضاله، واصفين أيامه في الشام مثل أيام يوسف بن يعقوب عليهما السلام في مصر، وفي ذلك إيحاء واضح لإشادتهم به وعدم رضاهم عن ابن الصائغ، اذ اعتبروا سنوات الأخير السبعة بمثابة السبع الشداد، قبل أن يغاث الناس بعودة ابن خلكان، ومن أقوال علماء فيه، انه قال عنه ابن كثير في البداية، ابن خلكان قاضي القضاة شمس الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان الشافعي أحد الأئمة الفضلاء بدمشق والسادة العلماء والصدور الرؤساء، وهو أول من جدد في أيامه قضاء القضاة من سائر المذاهب فاشتغلوا بالأحكام بعد ما كانوا نوابا له، وقد كان المنصب بينه وبين ابن الصائغ دولا يعزل هذا تارة ويولى هذا.
ويعزل هذا ويولى هذا، وقد درّس ابن خلكان في عدة مدارس لم تجتمع لغيره ولم يبقي معه في آخر وقت سوى الأمينية وبيد ابنه كمال الدين موسى النجيبية، وتوفي ابن خلكان بالمدرسة النجيبية المذكورة بإيوانها يوم السبت آخر النهار في السادس والعشرين من رجب ودفن من الغد بسفح قاسيون، عن ثلاث وسبعين سنة، وقد كان ينظم نظما حسنا رائقا وقد كانت محاضرته في غاية الحسن، وله التاريخ المفيد الذي رسم بوفيات الأعيان، من أبدع المصنفات، والله أعلم، وكما قال عنه الحافظ الذهبي كان إماما فاضلا متقنا، عارفا بالمذهب، حسن الفتاوى، جيد القريحة، بصيرا بالعربية، علامة في الأدب والشعر وأيام الناس، كثير الاطلاع، حلو المذاكرة، وافر الحرمة، من سروات الناس، كريما، جوادا، مُمدّحا.
وقد جمع كتابا نفيسا في وفيات الأعيان، وقال ابن العماد الحنبلي في كتابه شذرات الذهب، ومن محاسنه أنه كان لا يجسر أحد أن يذكر أحدا عنده بغيبة، وقال عنه الفقيه تاج الدين السبكي وصف ابن خلكان في طبقات الشافعية الكبرى قائلا قاضي القضاة، له في الأدب اليد الطولى، وشعره أرق من أعطاف ذي الشمائل لعبت به الشمول، وأعذب في الثغور لعسا من ارتشاف الضرب وإنه لفوق ما نقول.