المقالات

زمان تغيرت معادن الرجال

جريدة موطني

زمان تغيرت معادن الرجال

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد اعلموا يرحمكم الله إنما الدنيا إذا فكرت فيها ثلاثة أيام، يوم مضى لا ترجوه، ويوم أنت فيه ينبغي لك أن تغتنمه، ويوم يأتي لا تدري أنت من أهله أم لا، ولا تدري لعلك تموت قبله، وليكن سعيك في دنياك لآخرتك، فإنه ليس لك من دنياك شيء إلا ما صدرت أمامك، فلا تدخرن عن نفسك مالك، ولا تتبع نفسك ما قد علمت أنك تاركه خلفك، ولكن تزود لبعد المشقة، وليكن طلبك الدنيا اضطرارا، وتذكرك في الأمور اعتبارا، وسعيك لمعادك ابتدارا، فاعمل عمل المرتحل، فإن حادي الموت يحدوك ليوم ليس يعدوك.

 

وقال الحسن رحمه الله إياكم وما شغل من الدنيا، فإن الدنيا كثيرة الأشغال، لا يفتح رجل على نفسه باب شغل إلا أوشك ذلك الباب أن يفتح عليه عشرة أبواب، وصاحب الدنيا الذي يعظمه البعض حتى وإن كان تاركا للصلاة ويوسع له في المجلس لننظر إلى الحسن رحمه الله كان إذا ذكر صاحب الدنيا يقول والله ما بقيت له ولا بقي لها، ولا سلم من شرها ولا تبعتها ولا حسابها، ولقد أخرج منها في خرق، وكتب علي بن أبي طالب إلى عبد الله بن عباس أما بعد فإن المرء يسوءه فوت ما لم يكن يدركه، ويسره درك ما لم يكن ليفوته، فليكن سرورك بما قلت من أمر آخرتك، وليكن أسفك على ما فاتك منها، وما نلت من دنياك فلا تكثرن به فرحا، وليكن همك فيما بعد الموت، وفي زمان قل فيه الوفاء، وتغيرت معادن الرجال.

 

وقد صار هذا الناس إلا أقلهم ذئابا على أجسادهن ثياب، فإنه حري بالمرء إذا رُزق بشخص وفيّ أن يتمسك به، فإنه عملة نادرة في غير زمانها، وثمرة يانعة في غير أوانها، ونعمة تستحق أن ينافس من أجل بقائها، فإن الوفاء من صفات الرجولة، ومن المحامد العظيمة النبيلة، وما زالت الأمم على اختلاف مشاربها ودياناتها تثنى على أهل الوفاء، وتذم أهل الغدر والخيانة، والوفاء نجم في سماء الأخلاق، وقال الراغب الأصبهاني “الوفاء أخو الصدق والعدل، والغدر أخو الكذب والجور، وذلك أن الوفاء صدق اللسان والفعل معا، والغدر كذب بهما لأن فيه مع الكذب نقض العهد، والوفاء يختص بالإنسان، فمن فقد فيه الوفاء فقد انسلخ من الإنسانية، وقد جعل الله تعالى العهد من الإيمان، وصيره قواما لأمور الناس.

 

فالناس مضطرون إلى التعاون، ولا يتم تعاونهم إلا مراعاة العهد والوفاء، ولولا ذلك لتنافرت القلوب وارتفع التعايش، ولذلك عظم الله تعالى أمره، ولقد عز الوفاء بين الأهل والأصدقاء، بل بين الأبناء والآباء، وانتشرت الخيانة حتى أن الابن ليضع أباه في دار العجزة، وأي خيانة أكبر، والأشد والأعظم أن يضع أمه وهي عِرضه عند أغراب، أما الأصدقاء فقل الوفي فإذا جئته يوم حاجة اعتذر، وإن إأتمنته على أمر غدر، وتجد الزوج يطلق زوجته بعدما هرمت وعجزت وقد خدمته سنين ولم يعد لها أحد، والزوجة تخرج عن زوجها وقد شاخ ورقَّ عظمه، وهو في النساء نادر، فليت هؤلاء إذ عجزوا عن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم اقتدوا بالسموأل اليهودي، وقد نص الفقهاء على الوفاء حتى في دار الحرب.

 

فقال ابن قدامة “حكم ما لو أطلق الأسير وأمَّنوه، فإن أطلقوه وأمنوه صاروا في أمان منه لأن أمانهم له يقتضي سلامتهم منه، فان أمكنه المضي إلى دار الإسلام لزمه وإن تعذر عليه أقام وكان حكمه حكم من أسلم في دار الحرب، وإن أطلقوه وشرطوا عليه المقام عندهم لزمه ما شرطوا عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم “المؤمنون عند شروطهم”

زمان تغيرت معادن الرجال

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار