المقالات

سمعة الأدب في عصر المماليك 

جريدة موطني

 سمعة الأدب في عصر المماليك 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

  

ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن الإمام ابن نباتة وهو الإمام البليغ الأوحد، خطيب زمانه أبو يحيى عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نباتة الفارقي، وهو شاعر مشهور، وأما بالنسبة لأسلوبه الشعري فينبغي الوقوف على أمر مهم لكي يتضح المعنى المراد إيصاله، فإن العصر المملوكي هو عصر كثر فيه المال، ومالت حياة سكانه إلى الترف وحب الزخرفة والتدبيج في كل شيء، ابتداء من العمران وليس انتهاء بالأدب، فكان الأدباء يضطرون إلى مسايرة متطلبات الناس من جمهور القراء والسامعين للشعر والأدب، ولعل هذا النوع من الشعر هو الغالب على سمعة الأدب في عصر المماليك، ولكن لم يكن هذا النوع الوحيد في ذلك العصر فقد كان هنالك أيضا من الأدباء من اتبع نهج القدماء. 

 

وسار على خطاهم ليزيد من ثقته بنفسه وبشعره، وليكسب أدبه نوعا من الأصالة والفخر على أقرانه، كون التراث والأدب القديم هو المثل الأعلى لجميع الشعراء والأدباء الذين يأتون بعد تلك العصور إلى يوم الناس هذا، وكذلك كان بعض الأدباء يكتب على نهج القدماء على سبيل المجاراة، ومن هنا يمكن الولوج إلى أدب ابن نباتة وشعره بخاصة فقد وُجد في شعر ابن نباتة النوع التقليدي والنوع البديعي الذي تكثر فيه الصنعة، فقد سار ابن نباتة في اتجاهين متوازيين في شعره، فسار على نهج القدماء في شكل القصيدة العربية الذي غالبا ما كان يبدأ بالوقوف على الأطلال، ولكن كان لابن نباتة تجديد وتطوير لهذا الشكل، فهو لم يأتي به لأنه يريد الوقوف على الأطلال، ولكن ليكسب قصيدته المعاني المذكورة آنفا.

 

فكان ابن نباتة يقف على ديار المحبوبة العامرة لا الخربة كما كان الجاهليين ومن تبعهم، ثم كان بعد الوقوف على الديار التي لا تشبه ديار الأقدمين فإنه ربما يأتي بغزل وربما يأتي بوصف للخمرة أو أي شيء يمكن من خلاله أن يضفي على قصيدته طابعا خاصا يدل عليه، فمثلا في قصيدة مدح له يبدأ بذكر سبب وقوفه على الديار ثم يشرع بالغزل ثم يتحدث على الخمر والنساء الجميلات، وهي القصيدة التي يقول في مطلعها لولا معاني السحر من لحظاتها ما طال تردادي إلى أبياتها ولما وقفت على الديار مناديا قلبي المتيّم من ورا حجراتها فكان ابن نباتة يستفيد من الثقافة العربية المتراكمة لديه حول القصيدة القديمة في بناء قصيدته الخاصة به، وهي طريقة تجمع بين تقليد القدماء والتجديد بما يناسب متطلبات عصره.

 

وأما أسلوب الصنعة فقد جاء به ابن نباتة تماشيا مع ذوق عصره الذي بلغ أهله هرم الحضارة وقمتها حتى ظنوا أنهم بلغوا محط الرحال في كل شيء وخصوصا الأدب، فكتب ابن نباتة شعرا في هذا الباب فكان ينبع من تصنع وتكلف شديدين جاء شعره معهما سمجا لا حياة فيه ولا شعور، منها ما يقوله مادحا قام يرنو بمقلة كحلاء علمتني الجنون بالسوداء، رشأ دب في سوالفه النمل فهامت خواطر الشعراء فهذه الأبيات حاول ابن نباتة أن يقلب فيها وجوه الغزل ومعانيه المعروفة بصنعة بديعية لا تنبع من ذات الشاعر أو من تجربة شعوريه قد مر بها، وهذا ما يجعل القارئ ينظر إلى تلك الأبيات على أنها سطور مكتوبة لا شعر فيها إلا ظلال باهتة، وكذلك لا يمكن القول إن هذا غزل، بل هو تكلف كان يتطلبه عصر أولع أهله بشيء اسمه البديع والصنعة البديعية.

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار