شعر/عبد العزيز خوجة
مُت يا أنا .. أو كُفَّ عنّي للأبدْ
نفِدَ الجلَدْ !
إمّا على جمرِ اللّظى
قدمايَ، أو فوقَ البَرَدْ
اُتركْ يَدي
لا تُعطني يدكَ المُنى وعدًا يُقيّدُني
بأغلالٍ من الماضي
وأغلالٍ من الآتي
وحبلٍ مِن مَسَدْ
اُتركْ يدي
لا تعطني وهمًا
لأُعطي من بقايا الزّهرِ نَرجِسةً
أعلّقُها على أعطافِ حُلمٍ
من خبايا العُمر في دربٍ شرَدْ
اُترُك يدي
فيدايَ أجنحةٌ
تُطارد حبَّها المفقودَ
في أُفقٍ تناءى وابتعدْ
اُترك يَدي .. أحيا رغَدْ
اُترك يدي لي .. فُكَّها ..
وخُذِ الشَّهَدْ
اُترك أصابعَها
مراسمَها، فحبري من دمي
أمّا خباياي
فأنهَلُها مدَدْ
أمّا خباياي
فتكفيني
وفيها العالَمُ السِّحريُّ والعُلويُّ والسُّفلِيُّ
والأزليُّ والأبديُّ
والرُّؤيا على طُولِ الأمَدْ ..
لا.. لستُ قِدّيسًا
ولا إبليسُ ضلّلني بألغازِ الأبدْ
لكنْ أنا..
لا..لستُ أدري من أنا
أطلقْ يدي حتمًا ستعرفُني
وأعرفُ مَن أنا
* * *
أطلقْ يدي في الحرفِ
أكتبُه
ويكتبُني على لوحٍ
مِن البلّورِ مسحورِ الحجابْ
أجلو طلاِسمَهُ
وأعدو في جناحِ البرقِ في الآفاقِ أرسمُ طَلسَمًا
وأُشكّلُ المعنى على طلبي أنا
إنّي أنا هذا الكيانْ
قد جاء مِن رحِم الزّمانْ
قلبي المركَّبُ من شياطينٍ وطينْ
وعجينةٍ ممزوجةٍ بالنُّورِ واللّهبِ المُذابْ
كيف التّوازنُ في معادلةِ الحِسابْ؟
إنّي رضعتُ براءتي مِن ثدي أمّي
في نقاوةِ بُرعُمي
وخطيئتي مِن ثديِ دنياي
ومن شفةٍ كأحلام العسلْ
وانصبَّ في مجرى عروقي في دمي
هذا المزيجُ من الشّرابْ
حتى تكوّنَ ما تكوّنَ مِن (أنا)
لكنْ إلى أجَلِ الأجَلْ
لمْ يبقَ لي إلّا وصايا مِن أبي
علّقتُ أحرفَها على جدرانِ قلبي في الأزَلْ
وأنا صبي
حتّى ارتحَلْ
وتلاوةٌ قد أسكنتْها خفقَهُ أمّي
مِن السُّوَرِ القصارِ
أظَلُّ أذكرُها وفاتحةُ الكتابْ
* * *
يا سيّدي
طافت على رؤياي أستارُ الحجابْ
منْ يفتحُ الأبوابَ
والمفتاحُ في الجلبابِ غيّبهُ الغِيابْ؟
إنّي أنا الرّبانُ والسُّفُنُ،
ورفيفُ أشرعتي خيالْ
إنّي أنا الميناءُ والمدُنُ،
وظِلالُ أحلامي ضَلالْ
لا شيء يُدهشني على الطّرقاتِ
حتّى دعوةٌ من أعينٍ حوراءَ في أزهى جمالْ
إنّي أنا العَبّاد والصّنمُ الهوى
والمالُ والشّهواتُ
والولدُ المُدلَّلُ
والمُنى قِسَمُ
إنّي أنا القِرطاسُ والكلماتُ والقلَمُ
ثاوٍ على ألواحِ أحلامي
أخطُّ حكايةَ العشّاقِ أشعارًا
أصنعُ ما أشاءُ مِن المُنى قِصصًا،
ولا أدري بأوّلِها
ولا أدري بخاتمةِ الجوابِ ولا السّؤالْ
إنّي أنا الأصليّ والفرعيّ
والخطواتُ تَمشي في امتداداتِ الظّلالْ
إنّي أنا المجنونُ
والمعشوقةُ المُثلى
ضميرُ الشّعرِ يرسمُها احتراقًا واشتعالْ
أشكو لها حبّي فتهجرُني
وأهجرُها لكي أبكي على الألواحِ أغنيةَ الملالْ
وأعودُ أودِعُها ضلوعَ العُمْرِ
أبحثُ عن سعادٍ، في كتابِ الغيبِ
عن أُخرى لها أيضًا جنوحُ النّارِ والقدَرِ المُحالْ
* * *
إنّي أنا الإنسانُ مَن يمضي كما يمضي الشّهابْ
يهمي كما يهمي السّحابْ
أعدو ولا أدري إلى أينَ المآبْ
من جاء بي وأقامني
في زُرقة الأمواج من مطرٍ
ومَن، يا نجمُ
يا من تاه بي في الأرضِ، يُرشدُني الهدى؟
الرّيحُ تَعصِفُ بي إلى قدَرٍ
ولا أدري
وقد ضيّعتُ مِجدافي
إلى حتفي ستحمِلُني سُدى
أم أنّها تمضي بخاتمتي إلى قِبَبِ النّدى؟
* * *
وتزاوجتْ ذرّاتُ عمري بالقلقْ
ويرِنُّ في مرحٍ على حُلُمي صدى همسٍ
يوشوشني فيأخذُني ألَقْ..
عبْرَ المدى
ورفيفُ عِطر قد عبَقْ
وتفتّحتْ جذْلى تُويجاتُ الأُفُقْ
ونسيتُ توقي للنّجاةِ كأنّني
قد صرتُ في الملكوتِ برقًا للغرق
لا حاجةٌ لي كي أنوءَ على عصا وهْمٍ ذبيحْ
وجناحيَ المفرودَ غطّى رحبةَ الكونِ الفسيحْ
* * *
هذا أنَا، يا أنْتَ
يا روح الفَلَقْ
لَمْ أَخْشَ في لَيْلي الأَرقْ
وذِراعيَ الوَلْهى تعانِقُ فجْرَ دَهْشَتِكَ الصَّبوحْ
قَدْ طالَ بي سَفَري إلَيكَ… لِنَتَّحِدْ
ودَمي إلى لُقْياكَ جَمْرٌ يَتَّقِدْ
ولهِيبُهُ يَجْتاحُنِي
وحَنينُهُ مِنْ رَهْبَةِ اللُّقْيا بِحارٌ تَرْتَعِدْ
خُذني إليكَ وضمَّني
حبّي وحبُّكَ بذرةُ المعنى على هذا الأمَدْ
هذا أنا، يا أنتَ في بَدئي وخاتِمتي تلوحْ
وكأنّنا روحانِ تَرتعشانِ مِن ولَهٍ يَبوحْ
هذا أنا.. لا لنْ أعودَ، ولن أعودَ إلى السُّفوحْ
هذا أنا،
ولئنْ رحلتُ فإنّني تسبيحُ ضوءٍ
قدْ تلألأَ وانطلَقْ
ماضٍ.. إلى أبديّتِي
روحٌ تماهتْ في المَدى..
جرحٌ.. تناثرَ في الشّفَقْ..
ولئن صمتُّ عنِ الهوى..
فلقد حرقتُ بأنّتي كونًا بآهاتي.. نطَقْ.