شرم الشيخ.. مصر تصنع السلام من جديد
بقلم: وليد غنيم
في لحظة تاريخية جديدة تؤكد مكانة مصر كصانعة للسلام في الشرق الأوسط، احتضنت مدينة شرم الشيخ على ساحل البحر الأحمر قمة السلام الدولية، التي جمعت قادة من أكثر من ثلاثين دولة ومنظمة دولية، بهدف واحد واضح: وقف نزيف الدم في غزة وفتح الطريق نحو تسوية شاملة تضع حدًا للحرب والمعاناة الإنسانية.
—
مصر.. محور التوازن وصوت العقل
جاءت القمة بدعوة من الرئيس عبدالفتاح السيسي، في وقت تتزايد فيه حدة الصراع داخل قطاع غزة، ومع تفاقم الأزمة الإنسانية التي تهدد حياة الملايين من المدنيين.
وقد أكدت القاهرة من جديد أنها الوسيط الأمين، القادر على جمع الفرقاء على طاولة واحدة، انطلاقًا من مبدأ ثابت: لا حل إلا بالسلام، ولا سلام دون عدالة.
شرم الشيخ، التي عُرفت دومًا بأنها مدينة السلام، عادت لتكون مسرحًا جديدًا لصناعة الأمل وسط العواصف، ومركزًا لإحياء الدبلوماسية المصرية التي تتعامل مع الجميع بعقلانية واتزان
أهداف القمة ومحاورها
ركزت قمة شرم الشيخ على عدة أهداف رئيسية، شكلت معًا خريطة طريق لوقف الحرب وإعادة الإعمار، وجاء أبرزها:
1. وقف إطلاق النار في غزة
التوصل إلى اتفاق شامل لوقف العمليات العسكرية بين إسرائيل وحركة حماس، برعاية مصرية ودعم أمريكي وقطري وتركي، تمهيدًا لتثبيت التهدئة وبدء مسار سياسي جديد.
2. تبادل الأسرى والمحتجزين
جرى الاتفاق على تنفيذ مرحلة أولى من تبادل الأسرى تشمل الإفراج عن عدد من الفلسطينيين مقابل إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين الأحياء، كبادرة حسن نية نحو الاستقرار.
3. إدخال المساعدات الإنسانية العاجلة
أكدت القمة ضرورة فتح المعابر بشكل دائم أمام المساعدات الطبية والغذائية لسكان غزة، تحت إشراف الأمم المتحدة والهلال الأحمر المصري، بما يضمن وصولها إلى المحتاجين دون عوائق.
4. إعادة إعمار قطاع غزة
تم إطلاق خطة دولية لإعادة الإعمار تُقدَّر تكلفتها بحوالي 53 مليار دولار، بمشاركة الدول المانحة ومؤسسات التنمية، على أن تبدأ بالمنشآت الحيوية كالمستشفيات والمساكن والمدارس.
5. تثبيت الدور المصري في الوساطة
خرجت القمة بتأكيد عالمي جديد على مكانة مصر كقلب الوساطة الإقليمية، وصاحبة الكلمة المسموعة لدى جميع الأطراف، وهو ما يعكس ثقة المجتمع الدولي في حيادها وصدق نواياها.
حضور دولي واسع ورسائل قوية
شارك في القمة رؤساء ووزراء من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا وقطر وتركيا والأردن وفلسطين، إلى جانب ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي.
وخلال الجلسة الافتتاحية، دعا الرئيس السيسي إلى “وقف نزيف الدم فورًا”، مؤكدًا أن مصر لن تدّخر جهدًا في سبيل تحقيق التهدئة الشاملة وتهيئة الطريق نحو حل الدولتين، باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
—
التحديات والملفات العالقة
ورغم الأجواء الإيجابية التي سادت القمة، لا تزال هناك قضايا لم تُحسم بعد، أبرزها:
مدى التزام إسرائيل بوقف دائم لإطلاق النار.
آلية انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة.
تشكيل إدارة فلسطينية مؤقتة لإدارة القطاع.
ملف نزع سلاح الفصائل وضمان الأمن الإقليمي.
لكن ما تحقق في شرم الشيخ يُعد خطوة كبيرة نحو تثبيت التهدئة وبداية جديدة لمسار سياسي طال انتظاره.
—
شرم الشيخ.. مدينة تصنع التاريخ
مرة أخرى، تكتب شرم الشيخ اسمها في سجل التاريخ كمدينة للسلام العالمي، بعد أن كانت في العقود الماضية شاهدة على مؤتمرات جمعت الشرق والغرب، واليوم تؤكد أن مصر لا تزال قادرة على صناعة المعجزات بالسياسة والحكمة.
قمة شرم الشيخ لم تكن مجرد حدث سياسي، بل رسالة إنسانية وأخلاقية مفادها أن العالم ما زال قادرًا على الاجتماع من أجل السلام، وأن مصر ستظل — كما كانت دائمًا — نبض العروبة وضمير الإنسانية.
شرم الشيخ.. مصر تصنع السلام من جديد