شريط الاخبار

عالم الفيس بوك هل هو إفتراضي ام واقعي؟ 

جريدة موطني

عالم الفيس بوك هل هو إفتراضي ام واقعي؟ 

 

كتب – محمد خضر 

 

لا يخفى على الجميع الدور البارز الذي تحتله “مواقع التواصل الاجتماعي” في حياتنا المعاصرة، فمنذ بداية هذه الألفية اتضح بأن حياة الإنسان اليوم تذهب نحو كل ما هو رقمي وتقني، لدرجة تكاد العوالم الافتراضية سحب البساط من الحياة الواقعية، إذا سلمنا طبعا بأنها “عالم افتراضي” فعلا، على اعتبار أنّ هذه التسمية ارتبطت بهذه المواقع مع ظهورها “كعالم افتراضي في مقابل العالم الحقيقي

الواقعي”.

 

غير أنّ الكثير من “المتكلّمين” في هذا الموضوع، يؤكدون بأنّ المواقع الأجتماعية أصبحت اليوم حياة حقيقية وعالما موازيا تماما للعالم الواقعي ويضاهيه في تفاصيله، وخصوصا الموقع الأزرق “فيسبوك” الذي يحتضن ملايين الأشخاص، بينهم علاقات اجتماعية ويتقاسمون بينهم رؤى سياسية، إيديولوجية وفكرية في مجموعات وتكتلات، حتى أصبح “مجتمعا” حقيقيا بكل مقومات مفهوم الـمجتمع رغم أنّ أحد علماء النفس الاجتماعي بالمغرب قللّ من هذا الطرح واعتبره مجرد مجتمع للسكن العشوائي! وهو وصف فيه الكثير من الرصد السوسيولوجي والبلاغة اللغوية.

 

  

“فيسبوك” أصبح إذن واقعا للكثيرين، الذين خذلهم واقعهم ووطنهم فاختاروا “اللجوء” إلى واقع/وطن على مقاسهم، يسع لأحلامهم، رغباتهم ومواهبهم، أصبح منبرا يوميا للتفريغ ومشاركة اليوميات مع أشخاص آخرين يرتبطون برابطة الصداقة الافتراضية “وطن” لا يزعجه شغبهم الفكري والسياسي والفني

الإبداعي، ولا يضع مقص رقابته على منشوراتهم وحتى تفاهاتهم، ومعلوم للجميع أيضا بأن مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصا “فيسبوك” كانت وسيلة ناجعة لإذكاء النقاش الثوري ونشره بين فئات واسعة من الناس؛ النقاش الذي أدى لاندلاع حركات اجتماعية بداية هذا العقد سميت ب”الربيع العربي” والتي لم تكن لتكتمل لو لم يساهم “فيسبوك” في تسهيل التنسيق بين “الشباب الغاضب” على امتداد العالم العربي، في ظل الحصار الذي يفرضه الإعلام العمومي على حرية التعبير والتفكير ونوع المعرفة والمادة الإعلامية التي ينشرها بين الناس، فالحرية الكبيرة التي أتاحتها هذه المواقع للناس كي يعبروا عن مواقفهم منتقدين، ساخرين ومتهكمين من جهة، وعدم قدرة الدولة على مراقبتها أو منعها من جهة أخرى، كانت من بين الأسباب التي سرعت من وتيرة هذه “الثورات” الثورة على الأوضاع الاجتماعية، الاقتصادية الفكرية، والسياسية المتخلفة، وهكذا انطلقت منه الدعوة للخروج إلى شوارع المدن العربية

 

 

لعبت المواقع الإلكترونية دورا كبيرا في تغيير المشهد الإعلامي ونشر المعلومة بشكر مبهر، كما أنها أصبحت وسيلة ضغط على السياسيين والفاعلين في المجتمع والدولة في كل البلدان

لقد تأسست بداخله حياة حقيقية، شيد الناس “منازل” خاصة بهم، جميلة ومتراصة يسهر كلّ واحد منهم على ترتيب بيته “الذي هو حسابه الشخصي” بعناية فائقة وباستمرار، يغيرون أروقته وألوان جدرانه من حين لآخر، يملك كل واحد منهم عدد لا بأس به من “الجيران” على اختلافاتهم “العجيبة” كلّ ينادي على دنياه ويغني على ليلاه، هم حسابات “الأصدقاء” والمعارف، وكما توجد في المجتمع الواقعي طبقية وفوارق اجتماعية فإنّ “فيسبوك” لا يخلو من طبقية فاحشة أيضا، بين أصحاب الحسابات الفقيرة التي يدعمها “الفقراء والكادحين” ويحصل أصحابها على قدر هزيل من “الجيمات” والتعليقات وبالمقابل، هناك أصحاب “الحسابات” السمينة

السميكة، التي تتحول إلى “صفحات” تدعمها “شركات افتراضية” وتحصل على الكثير من الدعم والكثير من المتابعين، وتروج للكثير من الأوهام، وليس هناك أجمل من الأوهام المنعشة كي تحصل على الكثير من الجمهور والأتباع ..

 

ولأنّ الواقعي يقابله الافتراضي، والحياة يقابلها الموت؛ الموتى الذين ينامون بهدوء تام في المقابر الموجودة على أحزمة كل مدينة، وكما في كلّ مدينة مقابر كثيرة، “فلمدينة فيسبوك” مقابرها الافتراضية الكثيرة، مقابر لا عدّ ولا حصر لها، وحده “مارك” يعلم بما يقترفه الناس من “فظائع”، ولكنّه في النهاية شريك معهم، لأنه “يتستر عليهم” فإذا كانت المقابر في حياتنا الواقعية جماعية فإنها على العكس في “فيسبوك” هي “مقابر شخصية”، خاصة وسرية أيضا، فلكل شخص مقبرته الخاصة يدفن فيها “ضحاياه وقتلاه” الذين “حظرهم” بدم بارد، وبهدوء “مجرم” و”قاتل مأجور” ومحترف يترصد “ضحيته”، في تعليقاته، في رسائله، يهدده المرّة الأولى فالثانية، ثم بكبسة كاتمة للصوت على الفأرة يخرس “ضحيته” ويلقي بها إلى “العدم”، وهكذا يصفي “حسابه” معها ومنها ! وبحذر شديد    

 

إنّه فعل “الحظر” الذي يعدّ “أخطر” ما يتيحه هذا الموقع الاجتماعي في دلالاته الرمزية، ولذلك ربما سيكون منطقيا أن نشكل “لجنة أممية” للمطالبة بإلغائه، فهو يتيح للشخص أن يتخلص من شخص آخر لم يعد يتفق معه، ولا يتقاسم معه نفس الإيديولوجيا ولا نفس الانتماء السياسي والوجودي ولا يود أن يسمع رأيه، يتيح له أن يطرد أي واحد يريد من عالمه، حيث لا يبقى له أي صوت ولا أي رأي ولا وجود يشاركه معه، هنا لا يصبح “فيسبوك” موقعا “للتواصل الاجتماعي” ووسيلة للتعارف بين الناس بل وسيلة نشبع من خلالها 

رمزيا – تعطشنا إلى السلطة إلى الهيمنة على الآخرين وتصفيتهم “افتراضيا” فضاء للإقصاء والصراعات (النفسية، الإيديولوجية والسياسية) أكثر ممّا هو فضاء لمد جسور التواصل بين الناس (الأصدقاء)

  

ولأنهعالم الفيس بوك هل هو إفتراضي ام واقعي؟ 

فضاء عام وتستعمله جميع الفئات الاجتماعية فقد تحول فيسبوك إلى فضاء للمسطح واليوميي العابر فضاء لنشر الإشاعة والإشاعة المضادة، ولعلّه أبرز وسيلة معاصرة وأخطرها لنشر هذه الإشاعات، لأنها تنتشر بين فئات لا تعرف أدنى درجات التقصي والتحرّي ولا تمتلك أي وعي نقدي إزاء ما يحدث على اعتبار أنّ فيسبوك هو فضاء لجميع الشرائح الاجتماعية بما فيها غير المتعلمة..

 

 

 

مقابل ذلك فقد لعبت هذه المواقع دورا كبيرا في تغيير المشهد الإعلامي ونشر المعلومة بشكل مبهر كما أنها أصبحت وسيلة ضغط على السياسيين والفاعلين في المجتمع والدولة في كل البلدان وآلية فعّالة للتغيير والتأثير دون غيره من المؤسسات الرسمية والآليات الكلاسيكية لمراقبة عمل السياسيين والمؤسسات، كما أنه يتيح لنا اللقاء بالكثير من الأصدقاء باعدت بيننا الجغرافيا، الدراسة والعمل وساعدنا على مدّ جسور التواصل معهم من جديد كما سمح للناس بربط الكثير من العلاقات الاجتماعية الجميلة التي لا يسمح الواقع بربطها وتوطيدها..

 

  

ولكنه لن يكون يوما ما بديلا عن كل أشكال العلاقات التقليدية وعن الحياة الواقعية، لأنّ الجلوس أمام آلة باردة وصمّاء لا يعني أي شيء بالمقارنة مع جلسة أمام كتاب ورقي أو جلسة شاي مع أصدقاء من لحم ودم نرى أعينهم عندما يتكلمون ونرى تغيرات ملامحهم حين يعبرون عن أحاسيسهم وعن أفكارهم حين يضحكون، وحين يكذبون!

 

  

وعلى سبيل العالم الفيس بوك هل هو إفتراضي ام واقعي؟ ختم لا نريد أن يأخذ القارئ هذا التحليل على “محمل الجد”، لكونه يبقى “اجتهادا قاصرا” ومجرد تدوينه فيسبوكية، في محاولة للتعريف ببعض الأبعاد الرمزية المرتبطة باستعمالنا لمواقع التواصل الاجتماعي، ومن خلالها نود توجيه الانتباه من أجل تعميق البحث حول هذه المواقع الأجتماعية من طرف المختصين في علوم التواصل وعلم النفس الإجتماعي عالم الفيس بوك هل هو إفتراضي ام واقعي؟  عالم الفيس بوك هل هو إفتراضي ام واقعي؟ 

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار