شريط الاخبار

عزيزتي الآنسة (ص).

جريده موطني

عزيزتي الآنسة (ص).

 

بقلم/ محمد كمال قريش

عزيزتي الآنسة (ص).

إنّ هواء أبريل يحمل مع نسماته رائحة الزهور، والشمس تحنو على العباد في الخارج، والناس يوزعون الابتسامات على بعضهم، فلسبب ما هم منشرحون الصدور. بيدَ أن أجواء الربيع لها تأثير خاص، فإن المزاج العام لمعظم الناس رائق وأسلوبهم منضبط يميل إلى الترفع عن كل ما يسيء. تعرفين أني أعيش في الريف، وهذا موسم حصاد القمح يا عزيزتي، إنّ هذا التوقيت بالنسبة للفلاحين بمثابة نجاة، نعم يا آنستي، فإنهم مطالبون بسداد عدة فواتير، مثل الكهرباء والماء، وشطب أسمائهم من دفاتر محال البقالة وسيدة الخضروات وبائعة اللبن وغيرهم.

عذرًا؛ يبدو أنني أسهبت في الحديث عن أشياء لا تهمك، فإن هذه التفاهات من نظرك والتي سوف تعتبرينها من سفاسف الأمور لا تخطر في ذهنك الصافي، قلت لا تخطر؟ بل ليست في قاموس لغتك. لا يا صغيرتي؛ لا أتهمك بأنك متحجرة المشاعر، فإني أعرف أنكِ تنتمين لعالم غير الذي أنتمي له، تحيين في مقاطعة لا يعرف أهلها عن السفاسف التي ذكرتها أعلى الخطاب، والتي سوف تنكرينها عليّ ولا ريب في هذا. الناس في مقاطعتك؟ أجزم أنهم لا يفكرون في الشمس الدافئة الآن أو في نسمات أبريل، ولا ينتبهون للربيع الذي حل. لا يا أميرتي؛ لا أتهمهم بأنهم عديمي الإحساس، أعرف أن مشاكلهم أكبر من مشاكل الناس في قريتي، لديهم الأهم من الربيع لينتبهوا له، كم أشفق عليهم.

دعيني أخبرك أمرًا، بما أنني جربت متعة أن تشعرين بكل ما حولك من جمال الطبيعة وبهائها، أقول لكِ بقلب منفطر عليكِ، لقد حرمتكِ مكانتكِ التي لا دخل لكِ فيها، من أعظم المتع واللذات. لا تضحكين؛ فإنكِ في اللحظة التي سوف تقرأين فيها كلماتي ستقولين لنفسكِ: وماذا يعرف هذا عن المتع واللذات وهو الذي لم يعشها ولم يعرفها؟ مخطئة أنتِ يا بهجة أيامي، فأنا الذي لم أذق ملذاتكِ قد جربت – من وجهة نظري – ألذ ما خلقه الله من متع. إنّ الله خلق لنا، نحن الفقراء، أشياء تسعدنا وحدنا، القمر مثلًا، هل ينتبه له الغني؟ دعكِ منكِ أنتِ، فإنك نموذج مثالي لمقولة: لكل قاعدة شواذ.

طبعًا سوف تقولين وأنت تقرأين: إنه لاحظ جمال القمر ووجد فيه سعادته لأنه رومانسي. وهل الرومانسية من نصيبنا نحن الفقراء فقط؟ أليست رومانسيتك هي ما دفعتني لأتشبث بالأمل الواه الذي يجعلني متمسك بكِ؟ لا تفكرين كعادتك في أني أحاول بشكل مكشوف مفضوح أن أواسيك، لا يا سعادتي التي أنشدها، لا يا فرحة عمري ومبلغ آمالي، فأقسم لك بأغلظ الأيمان أني لم أكن رومانسيًا هكذا من قبل، ولم ألحظ جمال القمر إلّا بعدما التقيتكِ، فمن حينها وأنا أنظر إليه كي أرك فيه، وأتأمل الوجود بعينين دامعتين من فرط السعادة؛ لأنك فيه، وأشكر الله كثيرًا كثيرًا على نعمتك.

أمر أخير:

لماذا تبدأين رسائلك دائمًا بكلمة “معلمي”؟

لا يا أستاذتي، فكل ما أكتبه لكِ أنما هو بفضلك، فأنت الدافع والمراد، ولولاكي كنت سوف أظل مجرد فرد مهمش في قرية نائية لا يسمع بها أحد. فبفضل خطاباتك زارنا موظف البريد، وحملت خطاباته عنوان القرية واسمها.عزيزتي الآنسة (ص).

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار