علم الأفراد النظافة بالغسل والوضوء
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضاه، أحمده تعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أرجو بها النجاة يوم نلقاه، يوم يبعثر ما في القبور ويحصّل ما في الصدور، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد، لقد كان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يشترك مع أصحابه فيما يفعلون من شئون الحرب كأنه جندي من جنوده، وكان يحمل التراب في غزوة الخندق على كاهله، وهو يعلم أن فيهم من يكفيه ذلك راضيا مسرورا، ولكنه يضرب لهم الأمثال بما يفعل، ويثير في قلوبهم حماسة الإيمان، وكما كان له صلى الله عليه وسلم طرق عملية في تأديب الذين ينحرفون عن واجب الإيمان، وسبيل المؤمنين المخلصين، فقد تخلف بعض أصحابه.
عن الخروج إلى غزوة من الغزوات، ولم يقدموا عذرا يشفع لهم في هذا التخلف، ولما رجع الرسول صلي الله عليه وسلم وصحبه إلى المدينة جاءه أولئك المتخلفون وصدقوه الحديث، فقرر النبي صلى الله عليه وسلم مقاطعتهم حتى عن رد السلام وإلقائه، وفي هذا التأديب الذي أقره الله عليه، وهكذا كان تأديب النبي لأصحابه وتربيته لأخلاقهم، وكما كان الإصلاح الإلهي للأمم أنجع الأدوية يقدرها الحكيم العليم الخبير بناء على علمه بحالة المريض وبما تحتمله صحته وجسمه، وقد وزع الإصلاح على الرسل كما وزعت الرسل على الأمم، فلما كمل إستعداد الإنسانية لتلقي جميع أنواع الإصلاح أرسل خاتم الأنبياء إلى جميع العالم، مذكرا بما مضى من إصلاح إخوانه المرسلين، متما لرسالة الله معمما الناس أجمعين، فجاءت رسالته إصلاحا عاما شاملا.
ولم يترك سبيلا للسعادة إلا شرعه، ودعا إليه، ولا آخر للشقاء إلا منعه ونفر منه، ولم يعرف العالم هذا الإصلاح الشامل العام قبل رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ” وكما أصلح العقيدة، وكانت من قبل بين الإفراط، كانت بين عقل ينكر الله، ولا يعترف بوجوده، ويقول ” ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ” وبين داع يدعو مع الله إلها آخر، ويشرك به ما لا ينفعه ولا يضره فجاء بالعقيدة القويمة أنباهم بأن ربهم واحد، وأنه هو القادر العليم الحكيم المستحق وحده للعبادة، وأن تتوجه القلوب إليه، فكرم بذلك الإنسان، وأزال وصمة الشرك والعبودية لغير الله، ثم أمد هذه العقيدة بمدد دائم روحي لا ينقطع، يذكر بها ويعين عليها، أمدها بالصلوات التي تصل بين العبد وربه، وتذكره كل يوم خمس مرات بخالقة ومنشئه.
وتنهاه عن الفحشاء والمنكر، وأمدها بالصوم تمرينا على الصبر، وتعويدا على الطاعة، ومراقبة لله في السر والعلن، أمدها بالزكاة، تمرينا على العطف والبر والرحمة، والرفق بالمحتاجين، وشكرا لله تعالى الذي منح الأغنياء ما في أيديهم من الأموال، وبارك لهم فيها، وكما أصلح العقيدة وأمدها بهذا وأمثاله من ألوان المدد أصلح المجتمع، والإصلاح في الأمم إنما يعتمد على عمد، ويقوم على أسس لا ينهض بدونها، ولا يثمر ثمراته إلا بها، إنه يعتمد على العلم والمال والأسرة ونظام الدولة، والصحة العامة والقوة والعدل، وفي هذه الدوائر يرسم الإسلام برنامج إصلاحه الشامل فقد حث على العلم، وسوّى فيه بين الرجال والنساء، ووضع نظاما للتعامل بالبيع والشراء والإجارة والوصية والميراث، ونحو ذلك، من شأنه أن يبطل النزاع، ويزل الفساد ويقضي على أسباب الفتن.
وضع نظاما للأسرة يقيها الإنحلال ويربط برباط المحبة والتعاون، للزوج فيه الحقوق، وللزوجة حقوق، وللأبناء حقوق وللآباء والأمهات حقوق وضع هذا النظام دقيقا شاملا لكل علاقة من علاقات الأسرة صغيرة أو كبيرة، موافقا لما يقضي به العقل والعدل والرحمة وحسن الصلة، وكما جعل للدولة نظاما في حكومتها، ومحكوميها، وفي علاقتها بغيرها من الدول، وفي سلمها وحربها ومعاهداتها، وكما أمر بالمحافظة على صحة الشعب العامة، وعلم الأفراد النظافة بالغسل والوضوء، ومنع الضرر الناشئ من العدوى والوباء، وكما حث على إتخاذ الحيطة، وإعداد القوة، لتكون الدولة قوية الجانب، مهيبة في عيون أعدائها، وكما أمر بالعدل في كل شيء، بين الحاكم والمحكوم، بين السادة والمسودين، وبين الأغنياء والفقراء، وبين المتقاضين بين المتعاملين.
علم الأفراد النظافة بالغسل والوضوء
بقلم / محمـــد الدكـــروري