عندما يبيع الإنسان ضميره
بقلم/ محمـــد الدكـــروري
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله محمد بن عبد الله صلي الله عليه وسلم، تروي كتب السيرة النبوية الشريفة أنه صلى الله عليه وسلم بكى لما رأى جنازةَ مشرك، ولَما سُئل عن سبب بكائه صلى الله عليه وسلم، قال ” نفس تفلَّتت مني إلى النار” وتبلغ رحمته صلى الله عليه وسلم بأعدائه القمةَ السامقة عندما يتعرض لإيذائهم، ففي هذه المواطن التي يفقد فيها الرحماء رحمتهم، عندما تعرض للسباب والضرب من أهل الطائف، ونزل ملك الجبال في صحبة جبريل صلى الله عليه وسلم يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أن يطبق عليهم الأخشبين، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم قولته المشهورة ” اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون” وفي هذا القول جمع النبي صلى الله عليه وسلم مقامات الإحسان كلها.
فقد عفا عنهم، والتمس لهم العذر بجهلهم، ثم دعا لهم ولم يكن هذا موقفا فريدا للنبي صلى الله عليه وسلم، بل كان هذا خلقه مع من خالفه وحاربه كما في قوله صلى الله عليه وسلم ” اللهم اهدي دوسا، اللهم اهدي ثقيفا، اللهم اهدي أم أبي هريرة ” أما بعد فإن ضمير الإنسان إذا لم يكن موصولا بالله، فتجد صاحبه محافظا على العبادات والطاعات، والذكر وقراءة القرآن، فإنه سيأتي يوم ويعرض ذلك الضمير للبيع في سوق الحياة، وعندما يباع الضمير ستجد ذلك الصاحب والصديق الذي إئتمنته على مالك قد خان الأمانة، وتنكر لك، وعندما يباع الضمير ستجد من يعطيك شهادة تعليمية دون أن تدرس يوما واحدا، وستجد شاهدا باع ضميره، وزور أحداث شهادته، وحول الظالم إلى مظلوم.
والمظلوم إلى ظالم، واختل واقع الحياة، وضاع مصير الإنسان، وعندما يباع الضمير ستجد الطبيب الذي يهمل فحص مرضاه في المستشفى ليضطرهم للذهاب إليه في عيادته الخاصة، بل ستجد من يخون أمته، ويبيع وطنه، ويدمر مجتمعه، وعندما يباع الضمير أو يغيب من النفوس تهمل الواجبات، وتضيع الحقوق والأمانات، ويوسد الأمر إلى غير أهله، وتظهر الخيانات، وتحاك المؤامرات، وتقدم المصالح الشخصية الضيقة على مصالح المجتمع والأمة، ولقد عين الخليفة أبو بكرالصديق رضي الله عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قاضيا على المدينة، فمكث عمر سنة كاملة لم يختصم إليه اثنان، لم يعقد جلسة قضاء واحدة، وعندها طلب من أبي بكر إعفاءه من القضاء، فقال أبو بكرأمن مشقة القضاء تطلب الإعفاء يا عمر؟
قال عمر لا يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن لا حاجة بي عند قوم مؤمنين، عرف كل منهم ما له من حق، فلم يطلب أكثر منه، وما عليه من واجب فلم يقصر في أدائه، أحب كل منهم لأخيه ما يحب لنفسه، إذا غاب أحدهم تفقدوه، وإذا مرض عادوه، وإذا افتقر أعانوه، وإذا احتاج ساعدوه، وإذا أصيب عزوه وواسوه، دينهم النصيحة، وخلقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففيما يختصمون؟ فكان صلي الله عليه وسلم ما سُئل عن حاجة إلا جاد بها، أو بميسور من القول، إن لم تكن عنده، قد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق سواء، ما نهر خادما قط، ولا ضرب بيده أحدا، إلا أن يجاهد في سبيل الله. عندما يبيع الإنسان ضميره