الدكروري يكتب عن الإيمان بالساعة عند الكافرين
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : السبت الموافق 30 ديسمبر
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له وليّا مرشدا، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين أما بعد، إن الإيمان بالساعة عند المكذب بيوم الدين الكافر يعني هو محاسبته على النعم التي أوتيها في الدنيا، فإن كان ذا مال حوسب عليه من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وإن كان ذا جاه ومنصب ماذا عمل به وفيم سخر منصبه وجاهه، وإن كان ذا صحة معافىً في بدنه سئل عن عمره ووقته وشبابه فيم أبلاه وأفناه، ولا شك أن كل ذلك حسب موازين ومقاييس ربانية، وكل مخالفة في الالتزام بالمقاييس يعرضه للعقوبة والجزاء، وإن الإيمان بالساعة عند الكافرين والمكذبين يعني الفضيحة والتشهير.
والخزي لهم والندامة لمن قاوم دعوة الحق وكذب المرسلين، فكم كان يتبجح صاحب الدعاوى ويتطاول على أهل الحق ويستخدم سلطانه ونفوذه وماله وجاهه لتحقير أهل الحق والنيل منهم وإذلالهم، ويوم القيامة ينادى على هؤلاء الطغاة البغاة على رؤوس الأشهاد فيؤتى بالمتكبرين فيكونون كالذر يداسون بالأقدام، ولكل ما تقدم من أسباب ولغيرها لا يريد الكافر تذكيره بالموت، ومن ثم بالساعة وما يعقبها من حساب وجزاء، إذن ليس المانع لهم من قبول دعوة الحق هو كون الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، أو لأنه لم ينزل معه ملك يؤازره، أو لأنه ليست له كنوز وجنات، فإنهم يعلمون أن الله قادر على كل ذلك وأكثر، فقد زادت خيراته وتنامت نعماؤه على ما يتصورونه من متاع الدنيا، ولكن ليس ذلك هو السبب.
فقد جاء في بعض الأحاديث أن الله خير نبيّه المصطفي صلي الله عليه وسلم أن يجعله ملكا رسولا أو عبدا رسولا فاختار رسول الله أن يكون عبدا رسولا، فتواضع لله فرفعه تعالي فكان أشرف الأنبياء والمرسلين، وخيّره أن يقلب له جبال مكة ذهبا تسير معه حيث سار، فاختار أن يكون عيشه كفافا يشبع يوما ويجوع يوما وادخر ذلك للآخرة، وإن ذكر الدافع الحقيقي للمشركين في تكذيب الرسول صلي الله عليه وسلم وإيراد الشبهات عليه وهو إنكارهم قيام الساعة والبعث بعد الموت للحساب والعقاب، لأن في الإيمان بالساعة هدما لملذاتهم وتنغيصا لمتعهم الهابطة، وإثارة القلق لديهم في محاسبتهم على جرائمهم التي ارتكبوها في حياتهم الدنيا، ولم تورد الآيات الكريمة الأدلة العقلية على قيام الساعة وتقرير إمكانها وقدرة الله عليها.
كما جاءت في سياقات أخر وإنما ذكر جزاء من ينكر الساعة ويكذب وقوعها، فالنار المستعرة مهيأة معدة لمن كذب بها، إذا ظهرت للناظر وكانت على مرأى منهم سمعوا الدوي الهائل الذي يدور في جنباتها وهي تكاد تتميز من الغيظ والحنق من أقوال المجرمين العتاة وأفعالهم وأحوالهم تجاه رسالات ربهم، كلما ألقى فيها فوج سمعوا لها شهيقا وهي تفور، فإنها مخلوقة كمخلوقات الله الحية التي نشاهدها تعتورها حالات الغضب والسخط وتزفر لتنفس عما في جوفها من الغيظ، وتشهق لتجذب إلى جوفها أفواج العتاة الطغاة، إنها تتطلع إليهم وهم في طريقهم إليها يساقون إلى حتفهم وهي تتلمظ غيظا وحنقا عليهم، إنه لمنظر رهيب يرونه، ومشاعر خائفة تسيطر عليهم، ولكن لا مناص فهم يساقون إليها سوقا ويجرون إليها بالسلاسل مقرنين بالأصفاد.
ثم ليستقر بهم المقام أن يكبوا فيها كبا على وجوههم ومناخرهم، وتتعاظم أجسادهم لتتسع دائرة مس العذاب حتى يكون ناب أحدهم كجبل أحد وتضيق جهنم على سعتها بأحدهم حتى يكون كالزج للرمح، فلو كانوا في تلك الحال مطلقي الأيدي والأرجل لم يستطيعوا التفلت، فكيف وهم مقرنون بالأصفاد قرنت أيديهم إلى أعناقهم، فليس أمامهم إلا الدعاء بالويل والثبور والهلاك على أنفسهم، وعلى من تسبب في تحديد هذا المصير.